المادة المظلمة.. اللغز الذي يحير العلماء
علوم و تكنولوجيا
المادة المظلمة.. اللغز الذي يحير العلماء
25 أيار 2025 , 11:30 ص

المادة المظلمة (Dark Matter) هي مادة غير مرئية لا تصدر ضوءا ولا تمتصه، ولا يمكن رصدها بشكل مباشر من خلال الوسائل التقليدية كالتلسكوبات. ومع ذلك، تشير الحسابات الفلكية إلى أنها تشكل نحو 85% من المادة في الكون، وتؤثر في حركة المجرات وتوزيع الكتل الكونية بسبب جاذبيتها القوية.
- لماذا نعتقد بوجود المادة المظلمة؟
أتى أول دليل على وجود المادة المظلمة من خلال مراقبة السرعة الدورانية للمجرات، فحسب قوانين نيوتن، يجب أن تتحرك النجوم في أطراف المجرات بسرعة أقل من تلك القريبة من المركز. غير أن الرصد أظهر أن النجوم في الأطراف تتحرك بسرعة ثابتة نسبيا، مما يشير إلى وجود كتلة غير مرئية تضيف إلى الجاذبية الكلية للمجرة، هذه الكتلة أطلق عليها العلماء اسم "المادة المظلمة".
- خصائص المادة المظلمة
حتى الآن، لا نعرف ما هي طبيعة المادة المظلمة بشكل دقيق، لكنها تتسم بعدة خصائص أساسية:
لا تتفاعل مع الضوء أو الإشعاع الكهرومغناطيسي.
تؤثر على الأجسام الأخرى من خلال قوة الجاذبية فقط.
موزعة بشكل واسع في الكون، وخاصة في الهالات المحيطة بالمجرات.
تشكل البنية العظمى للكون وتساهم في تشكل المجرات وتماسكها.
- الأدلة العلمية على وجود المادة المظلمة
إلى جانب سرعة دوران المجرات، هناك أدلة متعددة تدعم وجود المادة المظلمة:
1. العدسات الجاذبية:
عندما يمر الضوء من مجرة خلفية بالقرب من جسم ضخم مثل عنقود مجري، فإن الجاذبية تقوم بثنيه، وتُحدث تشويهًا في صورة المجرة الخلفية، هذا التأثير يسمى عدسة الجاذبية، ويُستخدم لقياس الكتلة غير المرئية في الكون، والتي تُعزى إلى المادة المظلمة.
2. الخلفية الكونية الميكروية:
بيانات القمر الصناعي Planck والمراصد الأخرى أظهرت أن توزيع المادة في الكون البدائي يتوافق مع وجود مادة مظلمة بنسبة كبيرة، ما يفسر توزيع المجرات الحالي.
3. محاكاة تشكّل الكون:
عند محاكاة تطور الكون باستخدام الحواسيب الفائقة، لا تتشكل المجرات كما نراها اليوم إلا بوجود مادة إضافية غير مرئية ذات جاذبية كبيرة، وهي المادة المظلمة.
- ماذا يمكن أن تكون المادة المظلمة؟
رغم أنها لا تزال مجهولة الهوية، اقترح العلماء العديد من الفرضيات حول ماهية المادة المظلمة:
1. الجسيمات فائقة الكتلة ضعيفة التفاعل (WIMPs):
هي جسيمات افتراضية لا تتفاعل إلا من خلال الجاذبية والتفاعل النووي الضعيف. يجري البحث عنها حاليا في مختبرات تحت الأرض مثل LUX وXENON1T.
2. الأكسيونات (Axions):
جسيمات خفيفة جدّا افتراضية، قد تشكل جزءا من المادة المظلمة، وتُعد موضوعا ساخنا في الأبحاث الفيزيائية الحديثة.
3. النمط المعدل للجاذبية:
هناك بعض النظريات التي تحاول تفسير الظواهر المنسوبة إلى المادة المظلمة دون افتراض وجود مادة غير مرئية، بل من خلال تعديل نظرية الجاذبية، لكن هذه النظريات لم تلق قبولا واسعا حتى الآن.
- الفرق بين المادة المظلمة والطاقة المظلمة
كثير من الناس يخلطون بين المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وهما شيئان مختلفان تماما:
المادة المظلمة: تؤثر بالجاذبية وتساعد في تماسك المجرات.
الطاقة المظلمة: قوة غامضة تدفع توسع الكون المتسارع، وتشكل حوالي 68% من كثافة الكون.
- البحث المستمر عن الحقيقة
المادة المظلمة واحدة من أعظم ألغاز الفيزياء الحديثة. ورغم مرور عقود من البحث، لا يزال العلماء يفتقرون إلى إجابة قاطعة حول طبيعتها، إن الكشف عن المادة المظلمة قد يغير فهمنا للكون بالكامل، ويقودنا إلى فيزياء جديدة قد تتجاوز النماذج الحالية.
المادة المظلمة تمثل الهيكل الخفي للكون، إذ تسهم في تشكيل المجرات وتحدد مصيرها، وبينما لا نزال عاجزين عن رؤيتها، فإن آثارها واضحة على نطاق كوني واسع، الأمل لا يزال معقودًا على مشاريع مستقبلية تكنولوجية وفلكية، قد تُسهم في حل هذا اللغز الكوني العميق.


المصدر: Yajnoub