من نكسة الايام الستة الى صمود الايام الستمائة
مقالات
من نكسة الايام الستة الى صمود الايام الستمائة
مجد شاهين
30 أيار 2025 , 11:26 ص


بقلم: مجد شاهين

ستة أيام فقط… وصُنع الجرح

ستة أيام كانت كافية لأن تحفر دولة الاحتلال في وجدان الأمة جرحًا غائرًا، نكسةً أُريد لها أن تكون هزيمة روحية قبل أن تكون هزيمة عسكرية.

في حزيران 1967، اجتاحت قوات الاحتلال أراضي ثلاث دول عربية " مصر، سوريا، الأردن " بجيوشها النظامية المدججة، وفرضت على المنطقة خريطة من الهوان، لا تزال لعنتها تلاحقنا حتى اليوم.

ستة أيام تجر خلفها سبعة عقود من الانكسار

في تلك الحرب الخاطفة، سقطت الضفة الغربية والقدس الشرقية والجولان وسيناء وقطاع غزة في قبضة الاحتلال.

لم تكن مجرد خسارة أراضٍ، بل انهيارًا سياسيًا ومعنويًا لحلم عربي كان يتغذى على صوت عبد الناصر وهو يعلن النصر الوشيك… فإذا بالتاريخ يصفعه.

ستة أيام صنعت هزيمة… لكن غزة تصنع شيئًا آخر.

جيوش على الورق… وغزة وحدها في الميدان

في 1967، لم تكن الساحة خالية، كانت هناك جيوش عربية عديدة تستعد، وتناور، وتُطلق بيانات الحرب، وتعد الملايين بالنصر.

في الميدان دبابات وجنرالات وقيادات تتحدث عن سحق العدو الصهيوني خلال أيام، لكن ما حدث كان سحقًا لكرامة جيوش كاملة، وفضيحة لحكومات امتهنت الخطابة بدل الجهوزية.

اجتاح العدو ثلاث دول خلال ستة أيام، تحت سمع وبصر العالم العربي كله، الذي اكتفى بتشييع البيانات بدل الشهداء.

أما اليوم… فغزة وحدها.

365 كم مربع في مواجهة جيش مدجج وأسطول إعلامي وغربي كامل، لا جيش في ظهرها ، لا حلفاء صادقون إلى جانبها لكنها صمدت، قاومت وكسرت هيبة من دوّى اسمه في عواصم العرب قبل عقود.

" مع استثناء جنوب لبنان حيث علت صواريخ حزب الله، ترسم معادلات النار والردع.

ومن جبال اليمن، جاءت صواريخ أنصار الله تخترق البحار وتكسر الحصار.

هؤلاء لم يكتفوا بالدعاء، بل اختاروا أن يكونوا شركاء في الدم والتحدي.

هي جبهة واحدة… من غزة إلى صعدة، من خانيونس إلى بنت جبيل… عنوانها: لا مكان لإسرائيل في منطقتنا."

ستمائة يوم ولم يُكسر الظهر

ستمائة يوم من النار، من المجازر، من الحصار، من الموت المُمنهج والمجاعة كسلاح. ومع ذلك، غزة لم تنكسر.

غزة، الجرح المفتوح، المحاصرة منذ أكثر من 17 عامًا، الواقعة على شريط أرض لا يتجاوز 365 كم مربع تحوّلت إلى بركان من الكبرياء والصمود.

كل شبر فيها يحفظ اسم شهيد، وكل ركام ينطق بالتحدي.

الاحتلال دخل، زحف، دمّر، أحرق… لكنه خرج مهزومًا، متخبطًا، فاقدًا لهدف واضح.

لم تنكسر الناس، لم تنكسر العقيدة.

وما زال العلم مرفوعًا فوق البيوت المهدمة، وما زالت الأرواح تهتف: “لن نركع.”

نكسة الأمس.. ومقاومة اليوم

في ستة أيام، احتلت إسرائيل أراضي ثلاث دول ذات جيوش.

أما في ستمائة يوم، فشل الاحتلال في إخضاع قطاع محاصر، فقير، وحيد في الجغرافيا… لكنه محاط بالملايين في الوجدان.

في غزة، لم يسقط فقط جنود الاحتلال، بل سقط وهم القوة الإسرائيلية.

سقطت “أسطورة الجيش الذي لا يُقهر”، وسقطت معها رهانات الردع، وأوهام الحسم، وحكايات “الاحتلال الذكي”.

غزة فرضت معادلات،

منعت التوغل البري في عمقها ، تحويل الحرب إلى استنزاف نفسي واستراتيجي ، شلّ الثقة داخل القرار السياسي والعسكري في إسرائيل وفضح أخلاقي عالمي اختار الوقوف إلى جانب الجلاد.

غزة تُعيد تعريف النصر

النصر ليس ميدانًا فقط. النصر ليس أرضًا تُحتل أو تُستعاد.

النصر هو أن تظلّ واقفًا بعد كل ما ظنّوا أنه كفيل بإبادتك.

هو أن تظل تُنجب المقاتلين، وأن تتحوّل المجازر إلى أناشيد للثأر.

في 1967، انتصرت "إسرائيل" عسكريًا .

أما منذ 2023 و حتى الان ، فغزة تهزمها في معركة الأخلاق، في معركة الإرادة، في معركة الصورة… وفي معركة الوعي.

٦ ؟ أم ٦٠٠؟

العدد لا يُقاس بالوقت، بل بالكرامة، بالثبات، بمن يزرع صوته في الأرض لتخرج البنادق.

غزة اليوم أكبر من جيوش، أعمق من حدود، وأقوى من أي تقويم.

غزة… التي تقاتل نيابةً عن زمن عربي سُرقت كرامته، تكتب معادلة:

لا انتصار بلا إرادة، ولا هزيمة مع شعب قرر أن يقاوم حتى النفس الأخير.

ستمائة يوم من الحصار والنار والمجازر… وغزة لم تركع.

ستمائة يوم تكفي لتسقط فيها دول، لكن غزة وقفت، نزفت، وقاتلت، وفضحت.

في ستة أيام سقطت جيوش، وفي ستمائة يوم سقط وهم "إسرائيل".

غزة لا تصمد فقط… بل تفتح باب التاريخ من جديد بيدٍ دامية وصدرٍ عارٍ.

هذه ليست مقاومة، هذه نبوءة السقوط… وإعلان ولادة زمن لا مكان فيه للجبناء ولا للمطبعين.

ستمائة يوم… كانت كافية ليبدأ العدّ التنازلي لزوال الكيان. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري