بقلم: د. هناء سعادة
بينما تنهار الأعصاب داخل الملاجئ الصهيونية وتتحول الهواتف إلى خطوط استغاثة جماعية، تقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية شامخة، متماسكة، ترسم ملامح النصر على جبهات متعددة: عسكرية ونفسية وأخلاقية. فها هي طهران، التي تصدّت للعدوان الأميركي-الصهيوني المشترك، تُعلن بصلابة أنها لن تتراجع، فيما يتهاوى العدو داخليًا بلا طلقة إضافية.
لم تجد صحيفة "معاريف" الصهيونية بدًّا من الاعتراف بالحقيقة المرّة: الشعب في كيان الاحتلال ينهار تحت الضغط. عشرة آلاف نداء استغاثة تلقّتها جمعية "آران" الصهيونية للإسعاف النفسي خلال أيام فقط، أي بزيادة فاقت 200% عن الوضع السابق، بحسب المسؤولة النفسية "شيري دانيلز"، التي وصفت المشهد بكلمات تعكس فداحة الانهيار: "ذعر، عجز، بكاء، ضياع، فقدان للأمل". جنود الاحتياط ينهارون، المدنيون يتقيؤون في الملاجئ، والعائلات تصرخ: "أين القبة؟ أين الأمان؟"
ما كان يُروَّج له على أنه "أقوى جيش وأمن في الشرق الأوسط"، تبيّن أنه هشّ، مفكك، غير قادر حتى على تطمين مواطنيه، ناهيك عن حمايتهم. انفجرت صفارات الإنذار، فانهار الداخل الصهيوني كبرج ورقي. لم تصمد روح الكيان أمام المدى الإيراني، فانهالت المكالمات من المصابين باضطراب ما بعد الصدمة، من آباء مذعورين على أطفالهم، من عجزة يشعرون بأنهم تُركوا للموت.
أما في إيران، فالمشهد مختلفٌ تمامًا. لا شكوى، لا انهيار، لا تفكك. فشعبها، الذي طالما كان هدفًا للحصار والتشويه، وقف بجانب قيادته وقواته المسلحة في لحظة الحسم. لا معارضة تنكّرت، ولا شارع تخاذل، بل التفاف شعبي عارم أحيا روح الثورة الأولى. المواطن العادي في طهران، كما في مشهد وشيراز وتبريز، يرى في التصعيد مع الكيان الصهيوني معركة كرامة لا تُؤجل، ورسالة سيادة لا تقبل المقايضة.
وحدها إيران، في هذا الشرق المنكوب، أجابت على النار بالنار، وعلى الغطرسة بالكرامة. لم تطلب الإذن من أحد، لم تنتظر تعاطفًا دوليًا، بل أخذت زمام المبادرة وردّت بقوة لم يكن الاحتلال يتوقعها، لا عسكريًا ولا نفسيًا. وهذا ما تؤكده دانيلز، حين اعترفت بأن "التهديد الإيراني غير متوقع، غير معروف، لا يمكن التنبؤ بزمنه أو شكله، وهو ما يُفقد المستوطنين القدرة على التماسك."
أي كيان هذا الذي يُفكّكه صوت صافرة؟ وأي شعب هذا الذي يسقط تحت أول رشقة مقاومة؟! من يقول إن هذه الحرب متكافئة، لا يرى الحقيقة. فالجبهة الداخلية الإيرانية صلبة، مصقولة بتجربة الثورة والحصار والحرب، أما الجبهة الصهيونية، فهي اليوم مكشوفة، مرتجفة، تقف على شفير الانهيار الجماعي.
لا تقتصر الهزيمة على عدد الصواريخ التي سقطت، بل تتجلى في عدد المكالمات النفسية، في أصوات البكاء خلف أبواب الحديد، في الهروب الجماعي من الداخل المحتل، وفي الهجرة المعاكسة التي تعصف بـ"الحلم الصهيوني". حلم تكسّر على صخرة الإرادة الإيرانية، وأكذوبة سقطت أمام أمة لم تخشَ الموت، بل واجهته ووقفت على أنقاض الغطرسة.
اليوم، يُدرك العالم أن من انتصر ليست فقط إيران كدولة، بل الشعب الإيراني بأكمله. هو من حمّل الدولة تفويض المقاومة، وهو من بارك الرد، وهو من بعث برسالة إلى كل طغيان: "إذا كنتم تراهنون على انهيار الداخل، فنحن السور الأول والرصيد الأخير."
أما الاحتلال، الذي طالما سَخِر من أنين الأطفال في غزة، ومن ارتجاف الشيوخ في الخليل، فهو اليوم يعيش المشهد ذاته. ذات الرعب، ذات الذل، ذات العجز. لكن الفرق أن ما لدى الاحتلال هشّ، وما لدى إيران متين. وما لدى العدو ترسانة بلا روح، وما لدى طهران عقيدة راسخة وشعب لا يُهزم.
لقد انتصرت إيران لأن أبناءها يرون في المقاومة مصيرًا، وفي الشهادة عزة، وفي المعركة كرامة. لم تهزمها العقوبات، ولا الحصار، ولا اغتيال العلماء، ولا الخيانات. كل شهيد فيها يُخلَف بألف، وكل قائد يُستهدف يولد مكانه قائد أصلب وأجرأ. هذا هو الفرق بين من يصنع المجد، ومن يشتريه بالدعاية.
وفي النهاية، حين تنكشف الأعصاب وتُعلن الملاجئ هزيمتها، ويصبح المستوطن بحاجة إلى معالج نفسي لمجرد سماع صفارة، ندرك أننا أمام نهاية كيان لا يتحمل الحقيقة، ولا يقوى على رؤية ضحيته واقفة، شامخة، تقصفه من علٍ وتُربكه على كل جبهة.
هذا هو النصر الحقيقي… حين ينتصر الثبات على الهلع، والسيادة على الارتباك، والشعوب الصامدة على الجيوش المختبئة.



