1.7.2025
كتب الدكتور ميخائيل عوض:
١
ترمب لا ديني ولا عقائدي ولا استراتيجي، هو تاجر صفقات، دينه وهمه وجُلّه الربح، والربح بالقوة والاغتصاب وبالتهديد، كأفعال لصوصية وكسرقة موصوفة رفضتها كل الأديان السماوية والوضعية، ولم تبررها ولا تبرير لها في الأديان وشرعات حقوق الإنسان والشعوب.
ترمب يبحث عن صفقة مجزية، ففي ولايته الأولى قدم عرضاً لصفقة العصر وفشلت فشلاً ذريعاً، فعاد في الثانية إلى طرح صفقة "غزة ريفيرا الشرق"، وأهل غزة يسقطونها برغم التضحيات الجسام والإبادة اليومية.
٢
في ولايته الثانية يحاول ويبحث عن صفقة تحت مسمى "الإبراهيمية" و"الدين الإبراهيمي"، وهدفه لا ديني ولا إيماني، إنما إعادة صياغة الأديان وقيمها ومحرماتها وقواعدها بما يتساوق مع شخصه ونهجه التجاري وحبه وتبريره للصفقات.
الأديان السماوية وقيمها راسخة في الأذهان وفي القيم والعادات، ولا تصلح لمجال الصفقات.
صفقة الإبراهيمية تتوزع على تحقيق هدفين:
الأول: نسف الأديان وإعادة صياغتها على قيم ومصالح ترمب والفئة الباغية المسيطرة عالمياً، وفي الأساس نسف قيم ونموذج النبي إبراهيم الذي تميز بنصرته للحق وقتاله للظلم والغش والسرقة والاعتداء على الإنسان وحقوقه وإيمانه.
فالإبراهيمية تبدأ من جذور ثأرية وتجهيل لخاصيات النبي إبراهيم وما كُلّف به،
ثم تستهدف إعادة الزمن والرسل والأديان والظهور إلى زمن غابر كانت فيه الإنسانية محدودة وقاصرة، فأرسل الله أنبياءه ومرسليه للارتقاء بها.
الإبراهيمية واليهودية قبل المسيح بمئات السنوات وأدت قسطها وأسسَت لظهور السيد المسيح الذي ما زال اليهود يرفضون ظهوره وينتظرون.
والسيد المسيح أُرسل في زمن مختلف، وخاطب بشراً مختلفين، وأسست دعوته وتجربته ومهدت لظهور الرسول محمد في زمن ولأناس مختلفين بتجاربهم وعقولهم وقدراتهم وفاعليتهم.
فاليهودية جاءت عيانية لتحديد الأصول والارتقاء بالبشر وعلاقتهم بالخالق والطبيعة وأخوتهم، وكانت أحكامها بقياس أزمانهم: "العين بالعين والسن بالسن".
ثم جاءت المسيحية وكرّست الوصايا العشر قانوناً إنسانياً يحقق العلاقة بالخالق والبشر، وكذلك عجائب السيد المسيح في الملموس والمحسوس، وأسسَت للارتقاء، ليأتي القرآن الكريم مجرداً عاماً صالحاً ليفهم في كل زمان ومكان تبعاً لمستوى الوعي والمعرفة، محدداً الأصول والقواعد بآيات التحريم والتحليل كقواعد تتفق عليها البشرية وفي خيرها.
ولهذا خُتمت به النبوة.
٣
إبراهيمية ترمب وصحبه تستهدف صفقة نسف كل ذلك، والعودة بالعقل والخبرة والتجربة البشرية إلى عهد إبراهيم، منسوخاً من الدفاع عن الحق إلى تبرير الاغتصاب والسرقة وشهادة الزور واشتهاء زوجة القريب، بل وقتل البشر باسم الدين كما تفعل إسرائيل وتفعل أمريكا وأدواتها من الإسلام السياسي والمسلح، وأفعالها ممارسة معاشَة وطازجة.
٤
إذن الهدف الثاني للإبراهيمية: تشكيل البيئة النظرية والعقيدية لمشروعات تصفية الحق الوطني والقومي والإنساني والإيماني في قضية فلسطين.
تنطلق الإبراهيمية من أصل محرّف ومزوّر وخاطئ ومقصود بذاته، فنسف أصول وقواعد الإيمان والوصايا العشر ومنهج إبراهيم والحدود والمحرمات يوفر لأصحاب الإبراهيمية وأدواتهم تصفية القضية الفلسطينية، أولاً في الإيمان والعقيدة والمنهج والقيم، ثم في الواقع.
لكن الواقع وطبيعة ومحركات المقاومات ليست كما يظنون.
٥
المسألة والقضية ليست دينية، وليست صراعاً بين الأديان، وقد أسقطت غزة الفرية وكشفت كل الطلاسم والمزاعم والادعاءات.
غزة فلسطينية، وإسلامية، وسنيّة، وإخوانية، ووهابية، وسلفية تُذبح على مرأى من الجميع، بل وشاركوا في تحضير الأجواء والمناخات.
وجماعات الإسلام السياسي والمسلح كلها وهابية وسلفية وإخوانية، وحركات ونُظم وقوى تحكم دولاً شريكة في ذبح غزة وتدميرها وتهجيرها وتصفية القضية الفلسطينية،
فكيف تكون قضية فلسطين صراعاً دينياً يقود فيها الإسلام السياسي والمسلح الحرب، وهم أذناب وأدوات لقوى البغي والتسلط واللاأديان واللادين؟
٦
ومن أعدّ ونظم وأمَّن ودرب وثقّف جماعات الإسلام السياسي والمسلح: يهود ونصارى، أقله بالزعم، ويستثمرون بهم لأهدافهم وغاياتهم الوضعية وليست الدينية،
فكيف يكونون مسلمين ضد النصارى واليهود؟
وبالمناسبة، فغير المتوقع وبما ينافي الادعاءات والمزاعم، فإن النصارى واليهود واللادينيين هم من يناصرون غزة في المحافل الدولية والرأي العام العالمي، وخاصة الأمريكي والأوروبي، وهم يقودون ويديرون التحركات ويدفعون ثمن مناصرة غزة،
بينما جماعات الإسلام السياسي والمسلح يتآمرون ويطبّعون ويخدمون المشروع الصهيوني.
٧
الخلاصة:
لن تحقق الإبراهيمية أيّاً من هدفيها، فلن تنجح بمسخ الأديان ونسف تعاليمها وقيمها، وفي أعلى ما تستطيع قد تُنتج طائفة أو جماعة بدعة، موجود كمثلها في كل الأديان كثير منها، ولم تنجح بإفساد الإيمان والدين القومي والحق،
ومع الذكاء الصناعي ستتولد المئات، وربما الملايين، من تلك البدع وأمثالها.
ولن تُنتج صلحاً لتصفية الحق القومي، فالثابت عبر التاريخ أن الحق القومي لا يقبل تسويات ولا صفقات ولا تقسيم ولا أي حلول مؤقتة، إنما يتحقق باستعادته، وهذا شأن فلسطين لكل الأسباب والبيئات والتطورات وتراكمها والجاري منها.
علينا أن نوجّه ونسعى لكشف وتعرية وإسقاط الإبراهيمية بكل السبل وبما توفّر.
علينا أن لا نخدع ولا نُؤخذ وننبهر بكل ما يُعدّ وبما يُقال.
فكما سقطت صفقة القرن والتسويات المُذلّة، ويسقط التطبيع، ستسقط وصفة الإبراهيمية، ويبقى الزمن طوع يد وإرادة الله والشعوب.
الاشتراك بقناة "الأجمل آت مع ميخائيل عوض" ليصلكم كل جديد لحظةً بلحظةً على منصة youtube على الرابط:
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=b1NslvJHyrbXGHjv



