يتدثَّرون بدثار الحرص على فلسـ.ـطين ودماء غـ.ـزة، ثم يوغلون في دماء كل من ساند ودفع الغالي والنفيس، في سبيل فلسـ.ـطين وغـ.ـزة، وهؤلاء يمتلكون من الألسنة الحِداد الشِداد، والعيون الزجاجية التي لا حياء فيها ولا حياة، ولمجرد أنّه استخدم حبرًا إلكترونيًّا مجانيًّا، في كتابة كلمة تضامنية مع غـ.ـزة، يحسب أن من حقِّه استخدام حبره لجَلد من جاد بدمه، لأنّه أدَّى للعلا والذرى دوره.
ويلوون أعناق الوقائع لخدمة توجهاتهم، بمهاجمة كل من يقاوم، فيتخذون من وقف النار في لبنان وفي إيران ابتداءًا ذريعةً لبرهنة أنّ وقف النار هنا خيانة لغـ.ـزة، ثم يتخذونه مثالًا عقلانيًا وحكيمًا، في حماية المجتمع والعباد والبلاد، مقارنةً بتعنُّت حمـ.ـاس التي لا يهمها دم شعبها ودمار بلادها، فتصرُّ على استمرار الحـ.ـرب.
وهم لا ينتبهون للتناقض الصارخ والفاضح في كلا القياسَين، فمن جهةٍ يعتبرون وقف النار خيانة، لكنه يتحول حين القياس بغـ.ـزة إلى حكمة وعقلانية، ثم يعتبرون أنَّ مهاجمتهم لوقف النار هو هجوم لاعتباره خيانة، لكنهم في الوقت ذاته يطالبون حمـ.ـاس بارتكاب "الخيانة" ذاتها، وخلاصة حقيقتهم أنّهم يريدون من حمـ.ـاس ممارسة حكمة الاستسلام، حتى إذا ما استسلمت، كانوا أول من يتهمها بالخيانة.
ولكن الحقيقة، أنَّ الوقائع بعيدة كل البعد عن هذا التسطيح الذي يتم طرحه بسذاجة وغرائزية مفرطة، ولعل هذا ما يجعل له مريدين، وهذا سبب وجود مؤيدين ومصفقين، من جمهورٍ يمتلك ذاكرة السمك وذكاء الدجاج.
في لبنان وفي إيران على اختلاف خلفيات ومسوغات وقف النار، وكذلك على اختلاف منطلقات الحـ.ـرب وأسباب الـ.ـعـ.ـدوان، فإنّ القاسم المشترك بينهما، هو أنّ الـ.ـعـ.ـدو هو من طالب بوقف النار، وقد رضخ للشروط في كلتا الساحتين، رغم الاختلاف في نسبة الالتزام والتطبيق.
بالمقابل في غـ.ـزة، يرفض الـ.ـعـ.ـدو رفضًا قاطعًا وقف النار، فيما حمـ.ـاس هي من تطالب به كشرطٍ لازم لإبرام صفقة، ولو كانت شروط الـ.ـعـ.ـدو ذاتها في لبنان أو إيران، لما تمت الموافقة على وقف النار، وهنا يأتي دور التدليس، حيث يشيعون أنّ حمـ.ـاس ترفض وقف النار مضحيةً بدماء شعبها، لمجرد رفضها التنازل عن السلطة في غـ.ـزة.
رغم أنّ موقف حمـ.ـاس كان معلنًا منذ البداية، بأنّها ليست راغبةً في أيّ سلطة في غـ.ـزة، مع الموافقة على حكومة تكنوقراط في غـ.ـزة، والشرط الوحيد أن تكون حكومة بقرار فلسـ.ـطيني، وليست إدارة تحت سلطة الاحتـ ـلال وقراره، لكن هؤلاء لا يريدون سمعًا ولا تعقلًا.
واليوم، وبعد إشاعة تفاؤل أمريكي عن توجهات لوقف الحـ.ـرب على غـ.ـزة، وأنّ هناك انعطافة في مواقف نتنياهو تجاه وقف الحـ.ـرب، تثور الشائعات ومهاجمة مواقف حمـ.ـاس، للضغط عليها معنويًا أولًا، ولتحميلها مسبقًا نتائج الفشل في التوصل لاتفاق وقف النار ثانيًا.
رغم أنّه حتى لحظة كتابة هذه السطور، لا توجد مفاوضات كالسابق بين حمـ.ـاس والـ.ـعـ.ـدو عبر الوسطاء، إنّما هي مفاوضات بين نتنياهو وترامب من جهة، لصياغة مقترح وقف النار بشروط"إسرائيلية"، ثم وضعه على طاولة الوسطاء، ليحملوه إلى حمـ.ـاس ويضغطوا عليها لقبوله، ثم تحت الضغط كالعادة، تقول حمـ.ـاس: نعم ولكن..! على سبيل رفض الاستسلام بدبلوماسية.
قد نكون هذا الأسبوع أمام تطوراتٍ دراماتيكية، خصوصًا على ضوء قبول المحكمة تأجيل محاكمة نتنياهو بعد شهادة رئيسيَّ "الموساد" و"أمان"، وهو ما يشي بإمكانية حدوث جرائم كامتدادٍ لجرائم الكيان على مدى ساحة الصراع، إلّا إذا كان الحدث الدراماتيكي هو موافقة نتنياهو على وقف الحـ.ـرب في غـ.ـزة وإنجاز صفقة.
يبدو أنَّ الكيان وترامب أعجبهما فكرة الخداع والإرباك، وأنّ نتائجها كانت فعّالة في عــ.ـدوان اليوم الأول على إيران، لذلك يعيدون لعبة الخداع والإرباك ذاتها، فيضربون ضربةً غادرة، لكنهم في الوقت ذاته لم يتعلموا، أنّ المكسب التكتيكي لا يصنع انتصارًا إستراتيجيًا، إذ سرعان ما سيدفعون الأثمان الإستراتيجية مقابل مكاسب تكتيكية، وهذه قاعدة لن تتغيّر مهما استحضروا من شياطين الغدر؛ لأنّ للتاريخ نواميس ولله سنن، ولن تجد لها تبديلً واا تحويلا.



