_في كل عاشوراء،
أُفتّش عن الحسين بين الدموع، لا بين المذاهب.
أبحث عنه لا في لون الراية، بل في ارتجاف القلوب.
وأنا المسيحي…
الذي لا يحتاج أن يبدّل إيمانه كي يحبّ، ولا أن يعتذر كي يخدم.
خدمتي في عاشوراء ليست مجاملة،إنما هي اعترافٌ جريءٌ بأنني منذ عرفتُ الحسين، عرفتُ نفسي من جديد.
رأيتُهُ، لا في معركةٍ قُتِلَ فيها، بل في الحياةِ التي استمرت لأنه استُشهد.
رأيتُهُ، في كل شهقةِ أُمٍّ، في كل وقفةِ شرف، في كل جسدٍ انحنى لِيُكرِمَ الزائرين، وفي كُلِّ يَدٍ تغسلُ صحناً، وهي تهمسُ: "السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ الله".
وفي وَسَطِ هذا العزاءِ العظيم…
ثَمَّةَ غُصَّةٌ تُطْبِقُ على القلب، لا تُشْبِهُ غَيْرَها:
أينَ صَوْتُكَ يا سَيِّدُ حَسَن؟
كُنْتَ لَنا مِرْآةَ الحُسَيْنِ، لا بِصَوْتِكَ فَقَطْ، بَلْ بِتِلْكَ السَّكِينَةِ التي كانت تقولُ لنا: ما زالَ الحقُّ لَهُ وَجْهٌ… وما زالَ لِهٰذا الْوَجْهِ ناطِق.
كُنْتُ المَسِيحِيَّ الذي يَسْمَعُكَ، فيشعُرُ أنَّ مريمَ تَضَعُ يَدَها على قَلْبِهِ، وتقولُ لَه:
"أَنْصِتْ، هذا صوتٌ لا يعرفُ الطائفة، هذا رجلٌ يبكي، كما بكى عيسى على الظُّلْم".
يا سيدُ،
هل تعلمُ أنَّكَ من القلائلِ الذينَ جعلوني أحبُّ الإسلامَ مِنْ عَيْنَيْك؟
حِينَ كُنتَ تتكلمُ، كنتُ أسمعُ الإنجيلَ يَفْتَحُ جَناحَيْهِ فوقَ رأسِك؟
إنَّكَ كُنْتَ تُجَسِّدُ نَبِيًّا بلِا نُبُوَّة،
ومُرْسَلًا بلِا رِسالةٍ مكتُوبَة، لكنّكَ كَتَبْتَ في أرواحِنا، من حيثُ لا نَدري.
اليومَ، ونحنُ نخدمُ في عاشوراء…
نحملُ الماءَ..نُوزِّعُ الطعام .. نرفع الراياتِ…
نَفْتَقِدُك.
كأنَّ الحُسَيْنَ يُنادي من بَعِيد،
ولا أحدَ يُتَرْجِمُ وَجَعَهُ إلى اللغةِ التي كُنَّا نَفْهَمُها، حِينَ كُنْتَ بَيْنَنا.
غِيابُكَ ليسَ موتًا، بل سؤالٌ لا نَجْرُؤُ على الإجابةِ عليه:
من يُكملُ هذا الحُلمَ لو غابَ صوتُه؟
من يُعيدُ إلى العاشقينَ اتِّزانَهُم، حين يَرْتَجُّ كلُّ شيءٍ، إلَّا يَقِينك؟
يا حُسينُ…
أنا المسيحيُّ الذي أُحِبُّكَ،
وأبكيكَ،



