* في الثامن من حزيران/ يونيو ١٩٦٧ اعلن ليفي اشكول رئيس الوزراء الاسرائيلي بان القدس الجديدة الموحدة عاصمة اسرائيل الابدية.كما اعلن في اجتماع الكنيست المنعقد في ٢٣ حزيران/ يونيو ١٩٦٧ ان حدود اسرائيل الامنة هي نهر الاردن وان الضفة الغربية وقطاع غزة ستبقيان تحت السيطرة الاسرائيلية.في عام ١٩٦٩ قال موشي دايان(( لقد وصل اباؤنا الى الحدود المعترف بها من الامم المتحدة حسب قرار التقسيم( حيث ٥٦% من الارض )وجيلنا وصل الى حدود ١٩٤٩ ( حيث ٧٨% من الارض )والان جيل السادس من حزيران /يونيو ١٩٦٧ تمكن من الوصول الى قناة السويس والاردن ومرتفعات الجولان.وهذه ليست النهاية )).
حاول ثيودور هرتزل اقناع الحكومة البريطانية في بدايات القرن العشرين تحويل غزة الى مستوطنة يهودية وترحيل اهلها الى العريش وتزويدها بالمياه من نهر النيل عبر قناة السويس.رفض اللورد كريمر الحاكم العام لمصر هذا المقترح.تؤمن منظمة جوش ايمونيم الصهيونية المتطرفة التي اسسها رابي هانان باروت ان حرب حزيران /يونيو ١٩٦٧ حررت ارض اسرائيل القديمة ( يهودا والسامرة )مرة والى الابد.وان الكفاح من اجل بقاء الدولة اليهودية يعتمد على قدرتها على السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية والقدرة على تهويدها بشتى الوسائل.
* اعتمدت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة سياسة تقوم على خلق سجنين، السجن الاول هو السجن المفتوح- الضفة الغربية-ومنح الفلسطينيين نوعا من الدولة الدمية شريطة ان يتصرفوا بشكل جيد ويحسنوا السلوك وان لا يعترضوا على الاستيطان ومصادرة الارض والممتلكات، وان يقبلوا بهذا المصير.وعندما تنتهي اسرائيل من عمليات الاستيطان يتوجب عليها الغاء الدولة الدمية كي لا تتحول الى حركة وطنية.اما السجن الثاني هو السجن المغلق- قطاع غزة- الذي تفصله عن الضفة الغربية النقب المحتلةومغلق من جهة مصر ومن البحر.في هذا السجن المغلق يعيش حوالي مليوني فلسطيني محاصر .عندما قررت السلطة الفلسطينية اجراء انتخابات تشريعية فازت حركة حماس بالاغلبية الساحقة .ثم لجات الى الانقلاب الاستباقي لمنع " فتح" من السيطرة على القطاع، مما اضطر اسرائيل الى تشديد حصارها على قطاع غزة والذي دفع حماس الى اطلاق الصواريخ على غلاف غزة وابتدات دائرة العنف المتبادل الذي ركزت فيه اسرائيل على المدنيين العزل.ورمت مفاتيح السجن وراحت تستعد للحملات العسكرية على القطاع.
* ان سياسة اسرائيل لحصار ومعاقبة قطاع غزة بدات قبل سيطرة حماس عليه ففي عام ٢٠٠٤ بدا الجيش الاسرائيلي ببناء مجسم لمدينة غزة في صحراء النقب بنفس الابعاد والاحجام والشوارع باسمائها والمساجد والمباني العامة والسيارت الخ.كلف بناء هذه المدينة المجسمة ٤٥ مليون دولار.وصارت هذه الدمية الشبح غزة.
في شتاء عام ٢٠٠٦ بعد ان هزم حزب الله الجيش الاسرائيلي في تموز من نفس العام، قام رئيس الاركان الاسرائيلي دان هالوتز Dan Halutz بعد حرب لبنان بزيارتها وصرح للصحافة بان الجنود يحضرون لسيناريو لاجتياح غزة وضواحيها.حضر ايهود باراك ليشاهد مناورة اجتياح القوات الاسرائيلية لغزة الدمية.حيث هاجموا البيوت الفارغة وقتل الارهابيين المختبئين فيها.
قامت اسرائيل بشن حملة امطار الصيف في ٢٨ حزيران/ يونيو ٢٠٠٦ وحملة سيف جلعاد في ٧تموز/ يوليو ٢٠٠٦ اما اكبر حملة عسكرية كانت الرصاص المصبوب في ٢٧ كانون الاول/ ديسمبر ٢٠٠٨ الى ١٨كانون الاول/ يناير ٢٠٠٩ كانت الاوامر واضحة للجنود بانهم يهاجمون قلعة حصينة للعدو وكان ذلك جليا من القوة النارية التي تعرضت لها غزة من سلاح البحرية وسلاح الجو والمدفعية.قامت القوات المهاجمة بنسف البيوت وقتل المدنيين كما تدربوا على غزة الدمية.استمرت الحملات العسكرية على غزة .حملة الشتاء الساخن ٢٧ شباط/ فبراير ٢٠٠٨ وعامود السحاب في ١٤ تشرينالثاني/ نوفمبر الى ٢١ من الشهر نفسه.عام ٢٠١٢ وحملة الجرف الصاعد ٨تموز/ يوليو حتى ٢٦ اب/اغسطس ٢٠١٤ مما دفع حماس الى ردود فعل تجسدت في عملية سيف القدس التي اطلقت عليها اسرائيل حارس الاسوار في ايار/ مايو ٢٠٢١ .كانت نتيجة الحملات العسكرية الاسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة ( السجن المغلق )انها قوضت القاعدة الانتاجية الهشة مما حول القطاع الى ارض خراب غير قابلة للحياة.وصار العيش في ظل الحصار والتجويع لا يطاق.وعلى الرغم من ذلك تحول القطاع الى نقطة تقاطع استراتيجية للتجاذبات والصراعات الاقليمية التي يصطف الى جانبها قوى دولية.
واهم هذه التحولات هو اكتشاف النفط والغاز في بحر غزة.والقناة الملاحية البديلة لقناة السويس، والمحطة الاخيرة لمشروع الهند ( بومباي) - الجزيرة العربية- غزة- على البحر الابيض والذي يعتمد نجاحه على تطبيع السعودية مع الكيان.فكان التركي والقطري حاضرين بقوة في غزة وكان الايراني الذي درب وسلح ودعم المقاومة فيها .اما بالنسبة للكيان فانه كان يعد من خلال حملاته العسكرية لاعادة احياء. مقترح ثيودور هرتزل القديم بترحيل الفلسطينيين من غزة الى العريش المصرية .
جاءت عملية طوفان الاقصى في ٧ تشرين الاول/ اكتوبر ٢٠٢٣.تلك العملية التي ما زالت مستمرة منذ ٢١ شهرا. عدا عن كونها ثورة المساجين على السجان وكسر القيود ( علي وعلى اعدائي).الّا انها عملية استباقية استراتيجية نفذها يحيى السنوار ومحمد الضيف ونائبه مروان عيسى اي حماس الفلسطينية والجهاد الاسلامي.كانت عملية استباقية ناجحة بكل المعايير.ووضعت الكيان امام معركة وجودية بعد ان حطمت الروح القتالية لجيشه.شن الكيان حربا شاملة على القطاع ووضع الهدف الاستراتيجي الاول وهو ترحيل فلسطينيي القطاع الي سيناء رفضت جمهورية مصر العربية بقيادة السيسي مشروع التهجير رغم حملات التخوين والتشكيك وصمد الشعب في غزة .والهدف الاستراتيجي الثاني هو القضاء المبرم على حماس والجهاد وكل المقاومين في غزة قضاءا مبرما فاطلق العنان لجيشه ليخوض حرب ابادة جماعية وتطهير عرقي وتدمير ممنهج ليحول القطاع الى كومة من الخراب.لكن الشعب لم يرحل وتمسك بارضه واحتضن مقاومته وراح ينشد ويقول:
عهد الله ما نرحل. عهد الله ما نرحل
نموت ونجوع ولا نرحل .
نموت ونجوع ولا نرحل.
واحنا قطعة من ها الارض.
واحنا قطعة من ها الارض.
وعمر الارض ما بترحل.
قطعتوا النور والمية.
اعلناها مشاعل ثورة وحرية.
لم يتوقع الكيان الصهيوني ان يبدي القطاع المحاصر هذا الصمود والمقاومة ورغم احتلاله لكل القطاع الّا ان المقاومة حطمت جيشه والياته على العكس مما اعتاده في السابق عندما كان يهاجم ويحتل ساحات تتواجد فيها المنظمات الفلسطينية والمفتوحة على الفضاء العربي وانتهت باستسلامها وقبولها بشروط العدو.
صارت المقاومة في غزة ( المعيار) Gaza Standard الذي يعتمده كل المناضلين في العالم.
ان احدى اهم انجازات طوفان الاقصى هو القضاء على السردية الاسرائيلية الصهيونية التي دامت اكثر من سبعة عقود وحلت محلها سردية المظلومية الفلسطينية، وهبت شعوب العالم وشعوب اوروبا وامريكا بشكل خاص متضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ورفعت شعار (( فلسطين من النهر الى البحر )) وايقظت الضمير اليهودي في العالم الذي عبرت عنه النخب اليهودية من رجال الدين والمؤرخين ورجال الفكر والسياسة.اما
في فلسطين والوطن العربي فزّتْ القوى الرجعية من نومها شاهرة سيفها ضد المقاومة في غزة محملة اياها المسؤولية عن الخراب والدمار الذي الحقه الجيش الاسرائيلي بغزة مبرئة للعدو من جرائمه.لم تتورع قوى الردة الفلسطينية عن ابداء حنقها من البطولة وعجزها حتى عن الدفاع عن قصورها الذاتي، لان المقاومة اسقطت كل الاقنعة واوراق التوت .
مهندس/ زياد ابو الرجا