هل تخلّت أميركا عن أكراد سوريا؟
 بين تكتيك مؤقت… ومشروع إقليمي أكبر
مقالات
هل تخلّت أميركا عن أكراد سوريا؟ بين تكتيك مؤقت… ومشروع إقليمي أكبر
وائل المولى
11 تموز 2025 , 06:49 ص

في قصر الشعب بدمشق، عُقد اللقاء الذي لم يكن متوقعاَ في حسابات الأطراف المتنازعة: مفاوضات مباشرة بين "قسد" والحكومة السورية برعاية المبعوث الأميركي توماس باراك، في لحظة سياسية حرجة تتجاوز حدود سوريا، وبين كلمات المبعوث الأميركي التي تشدد على "أمة واحدة، وجيش واحد"، وسكوت قيادة قسد عن مصير مشروعها الفيدرالي، يُطرح السؤال الأكثر إلحاحا:

هل تخلّت أميركا عن أكراد سوريا؟

من الشراكة إلى الضغط: التحوّل الأميركي

لأكثر من عقد، مثّلت "قوات سوريا الديمقراطية" الحليف الأكثر موثوقية لواشنطن على الأرض السورية، خصوصا في قتال تنظيم داعش، لكن التصريحات الأخيرة لتوماس باراك لم تترك مجالا للبس: "الطريق الوحيد لقسد هو دمشق… الفيدرالية غير ممكنة."

هذا ليس مجرّد تفضيل سياسي، بل تحوّل استراتيجي يعكس:

تغير أولويات واشنطن من إدارة الصراع إلى إعادة تشكيل الإقليم.

الحاجة إلى تسويات إقليمية بعد حروب غزة وإيران ولبنان.

التخوف من فراغات أمنية تستغلها تركيا أو روسيا أو إيران.

 أكراد سوريا: نهاية حلم الفيدرالية؟

مشروع الحكم الذاتي الكردي في شمال وشرق سوريا، الذي تطوّر بين 2015–2021، بدأ يتآكل سياسيا منذ انسحاب القوات الأميركية من أطراف مناطق التماس مع تركيا، ثم انهار معنويا مع التطورات الأخيرة:

أميركا لا تتحدث عن "الحكم الذاتي" بعد الآن.

الخرائط التفاوضية تُرسم على قاعدة سوريا واحدة مركزية.

قسد تُدفع لتكون "قوة مساعدة" داخل بنية الفصائل التي تم دمجها لتشكل الجيش السوري الجديد .

كل هذا يُظهر أن واشنطن لا تمانع تذويب مشروع الإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية، بشرط أن تبقى هذه الدولة خارج المدار الإيراني – الروسي.

 تكتيك مؤقت أم استراتيجية إقليمية؟

لكن هل هذا التغيير تكتيكي مؤقت؟ أم أنه جزء من خريطة أوسع يجري رسمها للمنطقة؟

الاحتمال الأول: تكتيك مؤقت تمهيدا لسلام سوري ـ إسرائيلي

تُروّج بعض الدوائر أن واشنطن تعمل على هندسة سلام إسرائيلي – سوري.

"ترويض قسد" قد يكون شرطا سوريا للقبول بالانفتاح على إسرائيل.

تسريبات عن صفقة "الجولان مقابل طرابلس" – رغم النفي الأميركي – لكن هنالك تسريبات تؤكد أن هناك أوراقا متحركة لم تُكشف بعد 

ولعل حضور الفرنسيين بشكل مفاجىء هو من باب الملف اللبناني . 

لكن هذا المسار محفوف بالمخاطر، إذ أن تحييد قسد دون مقابل سياسي واضح، قد يفجّر الوضع في شرق سوريا مجددا.

الاحتمال الثاني: مشروع إقليمي لبناء سوريا "وظيفية"

واشنطن قد ترى في سوريا الموحدة أداة لتحقيق توازن في لبنان، عبر دعم سلطة سورية جديدة تضبط الساحة الشمالية اللبنانية وتخفف من تمدد حزب الله.

أو ربما ورقة في العراق، لتشكيل قوة عراقية - سورية توازن الحشد الشعبي، خصوصا بعد تراجع نفوذ طهران في بغداد.

أو حتى مجرد جائزة سياسية تُقدّم كإنجاز دبلوماسي في عهد ترامب الجديد، تُستخدم لإثبات "حكمة القوة الأميركية" في ضبط الشرق الأوسط.

بين الانخراط والخذلان: قسد أمام القرار الكبير

ما يحدث الآن يُشبه الضغط الناعم مع خيار وحيد:

 الالتحاق الكامل بالدولة السورية، بدون فيدرالية، بدون ضمانات مستقبلية، وبتنازلات جوهرية.

فهل تقبل قسد بهذا المصير؟

هل تراهن على شراكة حقيقية مع دمشق، أم تخشى أن تُستخدم كورقة ثم تُرمى؟

وهل واشنطن ستمنحها أي هامش للمناورة؟ أم أن اللعبة انتهت؟

 في الختام : أميركا لم تتخلّ… لكنها لم تعد تَعِد بشيء

أميركا لا تزال موجودة شرق الفرات.

لكنها لم تعد تتحدث عن الحكم الذاتي.

ولم تعد تصف قسد بأنها "شريك استراتيجي"، بل مجرد "قوة يجب أن تُدمج".

نحن أمام انسحاب سياسي ناعم، لا يُعلن، لكنه يُمارَس بصرامة.

انسحاب قد لا يكون خيانة، لكنه حتماً تخلٍ مدروس لصالح مشروع أكبر... مشروع لا يُراد له أن يُفهم بعد.

الأسئلة الكبرى تبقى مفتوحة:

هل سيقبل الأكراد بصفقة تنهي حلمهم التاريخي؟

وهل ستعيد دمشق بناء شراكة أم تفرض سيطرة؟

وأين تقف تل أبيب من كل هذا؟

هل سنشهد دولة سورية جديدة... أم حربا جديدة بعنوان مختلف؟

الأيام المقبلة وحدها ستحسم.