علماء يعيدون كتابة قصة نشوء القارات الأولى على الأرض بنموذج ناري جديد
دراسات و أبحاث
علماء يعيدون كتابة قصة نشوء القارات الأولى على الأرض بنموذج ناري جديد
12 تموز 2025 , 13:50 م

كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من الجيولوجيين في جامعة هونغ كونغ (HKU) أن القارات الأولى على كوكب الأرض لم تتكون بفعل عمليات الصفائح التكتونية كما كان يُعتقد لعقود، بل نشأت نتيجة نشاط داخلي عميق تمثل في صعود أعمدة مانتلية من باطن الأرض. هذا الاكتشاف الثوري نُشر في مجلة Science Advances، ويقلب النظريات التقليدية المتعلقة بتكوين القشرة القارية في العصر الأركي قبل أكثر من 2.5 مليار سنة.

منظور جديد لتكوّن القشرة القارية المبكرة

يتميّز كوكب الأرض بين كواكب النظام الشمسي بامتلاكه قشرة قارية واسعة تتكوّن من صخور جرانيتية تُمكّن من نشوء الحياة، غير أن كيفية تكوّن هذه القارات بقيت لغزا حيّر العلماء، فبينما افترض البعض أن الصفائح التكتونية والانغراز (subduction) وراء نشوء القارات، تشير هذه الدراسة إلى أن العملية لم تكن بتلك الطريقة المعروفة، بل ارتبطت بنشاط حراري عميق من أعماق الأرض.

نموذج أعمدة المانتل والانغراز الثقالي (Sagduction)

قاد الدراسة العالمان الدكتور دينغي تشاو والدكتور شيانغسونغ وانغ من مجموعة أبحاث الأرض المبكرة في قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة هونغ كونغ، بالتعاون مع باحثين عالميين، وتكشف النتائج أن أعمدة مانتلية – وهي تيارات ضخمة من الصخور المنصهرة الساخنة – صعدت من عمق الأرض، وشكلت طبقات كثيفة من البازلت على قاع المحيط قبل 2.7 مليار سنة.

ثم، بعد نحو 200 مليون سنة، صعد عمود مانتلي آخر وتسبب بذوبان جزئي لتلك الصخور البازلتية السفلية، منتجًا صخور TTG (توناليت، تروندجمتيت، وجرانوديوريت) الأخف، والتي كوّنت اللب الأول للقشرة القارية.

تحليل صخور الزركون لفك شيفرة الماضي

اعتمد الباحثون على دراسة صخور جرانيتية قديمة تُعرف بـ TTG، عُثر عليها في شمال الصين، ويعود عمرها إلى نحو 2.5 مليار سنة، باستخدام تقنيات متقدمة، تم تحليل معادن دقيقة بداخلها تُعرف بـ الزركون، والتي تحتفظ بتوقيعات كيميائية دقيقة من وقت تشكّلها.

أظهرت التحليلات أن الزركون احتوى على نسب منخفضة من الماء وتواقيع أكسجينية غير نمطية، تدل على بيئة حارة وجافة – وهي بيئة مختلفة تماما عن تلك التي تميز مناطق الانغراز المعروفة اليوم، مما يدعم فرضية نشوء القارات فوق أعمدة مانتلية بدلا من الصفائح التكتونية.

النموذج الثنائي للمانتل والساغداكشن

يقترح العلماء نموذجًا ثنائي المراحل يفسر النتائج:

1. مرحلة أولى (قبل 2.7 مليار سنة): صعود أعمدة مانتلية ضخمة شكلت طبقات كثيفة من البازلت على قاع المحيط.

2. مرحلة ثانية (قبل 2.5 مليار سنة): صعود عمود مانتلي آخر أدى إلى ذوبان جزئي للطبقات السفلية من البازلت، مكوّنة صخور TTG الخفيفة التي شكلت القشرة القارية المبكرة.

 اختلاف بين بيئات تشكّل TTG

تميزت الدراسة بين مجموعتين من صخور TTG من نفس الحقبة الزمنية الأركية:

TTG المرتبطة بالأعمدة المانتلية: أقل احتواءً للماء، ودلالات بيئة حارة وجافة.

TTG المرتبطة بمناطق الانغراز: أكثر غنية بالماء، تشكّلت في بيئات تشبه الأقواس البركانية.

وقد أكد البروفيسور غوتشون تشاو أن الصخور من الكتلة الشرقية للقارة الصينية تحتوي على ماء أقل بكثير من تلك التي تشكلت في مناطق الانغراز، مما يعزز تفسير أن أصلها ليس مرتبطا بالصفائح التكتونية.

 مساهمة بارزة في فهم الأرض المبكرة

أشاد البروفيسور فانغ-زين تينغ من جامعة واشنطن بهذا العمل، واصفا إياه بأنه "مساهمة عظيمة في دراسة ديناميكيات الأرض المبكرة"، وأشار إلى أن استخدام توقيعات الماء والأكسجين في الزركون قدّم نافذة جديدة لفهم تطور القشرة القارية.