كشفت دراسة علمية حديثة من كلية إيكان للطب في جبل سيناء، ونُشرت في مجلة Cancer Immunology Research، عن تقدم غير مسبوق في مجال علاج السرطان المناعي ، حيث تمكن العلماء من تطوير طريقة ثورية لإنتاج مليارات الخلايا المناعية النادرة المعروفة باسم الخلايا الشجيرية النمط الأول التقليدية (cDC1)، انطلاقا من مليون خلية جذعية دموية فقط مأخوذة من دم الحبل السري، وذلك باستخدام نظام زراعة خالٍ من المصل.
الخلايا cDC1: محور المناعة ضد السرطان
تلعب هذه الخلايا دورا محوريا في تنشيط الجهاز المناعي ضد الأورام، إلا أنها نادرة للغاية في الجسم البشري، ويصعب استخلاصها بكميات كبيرة، وقد صرحت الدكتورة نينا بهاردواج، الباحثة الرئيسية في الدراسة، ورئيسة قسم أبحاث السرطان ومديرة مختبر اللقاحات والعلاج الخلوي في كلية إيكان، قائلة:
"لقد تجاوزنا عائقا رئيسيا في أبحاث السرطان المناعية. هذه الخلايا ضرورية لتحفيز الجهاز المناعي، لكن إنتاجها بكميات كبيرة كان شبه مستحيل سابقا."
خصائص فريدة لتحفيز الخلايا التائية
على عكس الأنواع الأخرى من الخلايا الشجيرية، تتميز cDC1 بقدرتها الفريدة على عرض مستضدات الأورام بطريقة فعالة تُعرف باسم "العرض المتقاطع"، ما يُعد أساسيا لتنشيط الخلايا التائية القاتلة التي تهاجم الخلايا السرطانية، وتشير الدراسات إلى أن وجود cDC1 داخل الأورام مرتبط بتحسن نتائج المرضى وزيادة فعالية مثبطات نقاط التفتيش المناعية.
ومع ذلك، فإن المرضى المصابين بالسرطان غالبا ما يُظهرون نقصا في عدد ووظيفة هذه الخلايا، وهنا تكمن أهمية هذه الطريقة الجديدة، التي تُمكّن الباحثين من إنتاج ما يقرب من 3 مليارات خلية cDC1 وظيفية من مليون خلية جذعية واحدة.
نتائج مذهلة في النماذج الحية
استخدم الباحثون نماذج فأرية بشرية للتحقق من فعالية هذه الخلايا المُنتجة مخبريا كلقاح سرطاني، وأظهرت التجارب أن الخلايا cDC1 المُنتجة حديثا احتفظت بهويتها ونقائها، كما أدّت وظائفها المناعية الحيوية، بما في ذلك العرض المتقاطع وتنشيط الخلايا التائية، مما يجعلها منصة قوية لتطوير لقاحات مناعية فعالة ضد السرطان.
نحو لقاحات خلوية جاهزة ومتعددة الاستخدام
أوضح الدكتور سريكومار بالان، المؤلف المشارك للدراسة وأستاذ مساعد في الطب (أمراض الدم والأورام الطبية) في كلية إيكان:
"يفتح هذا الابتكار الطريق أمام تصميم لقاحات خلوية جاهزة تُستخدم على نطاق واسع ضد أنواع متعددة من السرطان، دون الحاجة لتخصيصها لكل مريض."
وأضافت بهاردواج: "إن الأمر لا يتعلق فقط بإنتاج كميات ضخمة من الخلايا، بل بإعادة تصور كيفية تصميم العلاجات المناعية لتصبح أكثر فعالية، وسهولة في الوصول، وقابلة للتخصيص."
تمثل هذه الدراسة خطوة محورية نحو تطوير لقاحات خلوية عالمية تعتمد على الخلايا المناعية الفعالة، وقد تُحدث ثورة في العلاجات المناعية للسرطان، كما توفّر هذه الطريقة المبتكرة أداة قوية للباحثين لدراسة بيولوجيا الخلايا الشجيرية من النوع الأول، سواء في حالات الصحة أو المرض، مما يساعد في الكشف عن آليات جديدة للمراقبة المناعية ومقاومة الأورام.