كشفت دراسة جديدة خضعت لمراجعة علمية ونُشرت في مجلة The American Journal of Clinical Nutrition، أن الأطفال الذين كانت مستويات فيتامين "د" لدى أمهاتهم مرتفعة خلال الحمل سجّلوا نتائج أفضل في اختبارات الذاكرة، والانتباه، ومهارات حل المشكلات، مقارنة بأطفال أمهات لديهن مستويات منخفضة من الفيتامين. وقد أُجريت الدراسة على أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاما.
لطالما عُرف فيتامين "د" بدوره الحيوي في تقوية العظام، لكن الأبحاث الحديثة تسلط الضوء على وظائفه الأعمق، مثل دعم الجهاز المناعي، تقليل الالتهابات، وحماية الجهاز العصبي، وتشير الأدلة المتزايدة – بما في ذلك هذه الدراسة – إلى أن فيتامين "د" قد يلعب دورا مهما في نمو الدماغ، بدءا من مراحل الحمل المبكرة.
- دور فيتامين "د" يتجاوز صحة العظام
وجدت الدراسة أن العلاقة بين مستويات فيتامين "د" قبل الولادة والوظائف الإدراكية في مرحلة الطفولة كانت أقوى لدى العائلات ذات الأصول الإفريقية، التي تعاني أيضا من معدلات أعلى من نقص الفيتامين.
هذا يشير إلى أن مكملات فيتامين "د" قد تمثّل استراتيجية بسيطة ومنخفضة التكلفة لتحفيز تطور الدماغ وتقليص الفجوات الصحية المرتبطة بالعنصر العرقي.
وقد أظهرت النتائج أيضًا أن المستويات المبكرة من الفيتامين خلال الحمل قد تكون الأهم في دعم النمو المعرفي لدى الطفل، مما يبرز الحاجة إلى تدخل مبكر من قبل مقدمي الرعاية الصحية.
- دراسة واسعة النطاق وشاملة
شملت الدراسة أكثر من 900 ثنائي أم-طفل في الولايات المتحدة، ضمن مشروع بحثي وطني يُعرف باسم "ECHO"، يدرس التأثيرات البيئية على صحة الأطفال.
تم قياس مستويات فيتامين "د" في دم الأم أثناء الحمل، ثم تقييم القدرات الإدراكية للأطفال لاحقا باستخدام اختبارات معيارية شاملة.
كما أخذ الباحثون في الاعتبار عوامل مهمة أخرى تؤثر على تطور الطفولة، مثل تعليم الأم، والظروف المحيطة بالحي السكني، وعمر الطفل وجنسه.
تُعزّز هذه النتائج ما توصل إليه الفريق سابقا بأن المستويات المرتفعة من فيتامين "د" أثناء الحمل ترتبط بارتفاع معدلات الذكاء في مرحلة الطفولة المبكرة، وانخفاض مشكلات السلوك في مرحلة الطفولة الوسطى.
- فيتامين "د" ونقصه: قضية صحية عالمية
يُعد نقص فيتامين "د" مشكلة شائعة عالميا، في الولايات المتحدة، يُقدّر أن 42% من البالغين لديهم مستويات تقل عن 20 نانوغرام/مل، وهو الحد الأدنى الشائع لتعريف النقص. أما بين النساء الحوامل، فالنسبة تصل إلى الثلث، بينما ترتفع إلى 80% بين النساء الحوامل من ذوي البشرة الداكنة.
يعزى ذلك جزئيا إلى دور صبغة الميلانين في تقليل قدرة الجلد على إنتاج فيتامين "د" من ضوء الشمس.
رغم إمكانية الحصول على الفيتامين من التعرض للشمس أو من الطعام، إلا أن هذه المصادر لا تلبي دائما الاحتياجات الفردية، خصوصا للأشخاص ذوي البشرة الداكنة، أو القاطنين في المناطق الشمالية، أو من يستخدمون واقيات الشمس بكثرة.
تشمل المصادر الطبيعية للفيتامين: الأسماك الدهنية، وصفار البيض، وبعض أنواع الفطر، إضافة إلى الأطعمة المدعّمة مثل الحليب وحبوب الإفطار، لكن الاستهلاك غير الكافي يجعل المكملات ضرورية في كثير من الحالات.
- الجرعة الموصى بها قد تكون غير كافية
توصي الإرشادات الغذائية الأميركية بتناول النساء الحوامل 600 وحدة دولية (IU) من فيتامين "د" يوميا، إلا أن تصحيح النقص قد يتطلب جرعات تتراوح بين 1000 إلى 2000 IU.
في الواقع، تستهلك النساء في المتوسط 168 IU فقط من الطعام والشراب، بينما تحتوي معظم المكملات المخصصة للحمل على 400 IU فقط.
يشير ذلك إلى فرصة مهمة لتحسين التوعية الطبية، وتعزيز الفحص المبكر والدعم التغذوي قبل وأثناء الحمل.
وإذا كانت مكملات بسيطة ومنخفضة التكلفة مثل فيتامين "د" قادرة على دعم نمو الدماغ لدى الجنين، فقد تكون لها آثار بعيدة المدى، فقد أظهرت الدراسات أن ارتفاع الأداء المعرفي في الطفولة يرتبط بذاكرة واستدلال أفضل في الشيخوخة، وكذلك بعمر أطول.
- الحاجة إلى دراسات أعمق
رغم النتائج المشجعة، لا يمكن الجزم بعد بأن فيتامين "د" هو السبب المباشر في تحسين الوظائف المعرفية.
ولذا، تظل هناك حاجة إلى تجارب سريرية عشوائية، تُعد "المعيار الذهبي" في الأبحاث، لتأكيد هذه النتائج وتحويلها إلى ممارسات سريرية معتمدة.
كما سيكون لهذه الدراسات دور مهم في تحديد مستويات فيتامين "د" المثالية خلال الحمل، لضمان أفضل دعم لتطور الدماغ لدى الجنين.