بعد الاستقالة المفاجئة لرجل الدبلوماسية الروسية الحديثة، ميخائيل بوغدانوف من منصبي نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط،، ليس حدث عابر ، يحل محله دبلوماسيٌ عتيق و متمرس، هو "أليكسي يرخوف" السفير و القنصل العام السابق في تركيا، و الذي يحظى، بعلاقة شخصية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و هل هذا إيتعلق بتغيير موقف الكرملين ما حصل من تغيرات دراماتيكية في الشرق الأوسط و جديد تحركات كل من أنقرة و أذربيجان في القوقاز ، وسط آسيا ى المنطقة العربية ؟
يوم 9 تموز أقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ميخائيل بوغدانوف بناءً على طلبه من منصب نائب وزير الخارجية و الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط و الدول الأفريقية هو ما جاء هذا بالاعلام الرسمي بسبب بلوغه سن التقاعد 73 عامًا.
تجدر الإشارة إلى أن بوغدانوف شخصية دبلوماسية رفيعة المستوى وخبرة كليرة في المجال الدبلوماسي منذ عام 1974 عندما بدأ موظفًا في الجهاز المركزي لوزارة خارجية الاتحاد السوفيتي ، عمل في لبنان و سوريا و ثم كان سفير الكرملين في إسرائيل، إلى ان ترأس إدارة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا و في عام 2005 ، عين بوغدانوف سفيرا في مصر و ممثل روسيا لدى جامعة الدول العربية ام منصبه الأخير الذي استمر 14 عام من بين إنجازات بوغدانوف استقباله وفد حركة حماس ممثلة بنائب رئيسها موسى أبو مرزوق ومفاوضات اذا إلى إطلاق سراح مواطنين روس في قطاع غزة و في بداية هذا العام استطاع حلّ مشكلة مطالبة السلطات السورية الجديدة بتعويضات من روسيا ، لاستعادة الثقة ، حقيقة ساهم بشكل كبير في تطوير علاقاتٍ مستقرةٍ لبلده مع الدول العربية و تركيا بعد ان جاء تكليفه من أجل حل أزمة العلاقات مع تركيا بعد قيام انقرة بإسقاط مقاتلة روسية سو-24 إم في 24 تشرين الثاني 2015 بصاروخ أطلقته مقاتلة إف- 16 تركية.
و مع ذلك ، ثمة آراء تشير بالفعل إلى أن مثل هذه الاستقالة ليست عادية تماما. كما أشار عديد من الخبراء الروس في شؤون الشرق الأوسط ، إنما هناك أسبابًا ٱخرى لإقالة بوغدانوف. وربما من اهمها الاستياء مما حدث في سورية ، إحدى أكبر الخسائر الجيوسياسية لروسيا خلال العام الماضي و مصير القاعدتين الروسيتين في طرطوس و أصبح موضع تساؤل بعد الانقلاب على بشار الأسد و دخول الجماعات التكفيرية إلى مدينة حلب كما كان مقررا من اجل جلب القيادة السورية للتفاوض و بدعم مالي و عسكري قرر النظام التركي خداع كل من طهران و موسكو بتنسيق وغطاء جوي من امريكا وإسرائيل و وضعهم امام امر واقع تمكنوا من الاستيلاء على السلطة في دمشق و بالتالي وزارة الخارجية لم تتمكن من متابعة الملفين السوري و التركي و النجاح بهما ، من جهة ٱخرى جاء توقيع الاستقالة في يومٍ ليس عادي هو في يوم المفاوضات بين أرمينيا و أذربيجان العدوين التاريخيين و بمشاركة إسرائيل و تركيا و بعد العدوان الإسرائيلي على إيران و من ثم تدهورٍ حاد في العلاقات مع كل من أرمينيا و أذربيجان، و هما حدثان مترابطان على الأرجح.
شغل يرخوف مؤخرًا منصب السفير الروسي في تركيا 14 عام و القنصل العام السابق لروسيا في إسطنبول, على اثر باغتيال السفير أندريه كارلوف عام 2016 وعمل ايضاً مدير سابق لقسم مركز الأزمات بوزارة الخارجية الروسية
إضافة لخبرة إرخوف الفريدة في العمل في إسرائيل، حيث عمل مستشارًا في السفارة الروسية في تل أبيب. ثم عمل في الإدارة الرئاسية الروسية،
اصبح واضحا ان كل إخفاقات السياسة الروسية في الشرق الأوسط الآن بسبب تركيا ، أُطيح ببشار الأسد في سوريا، وكان لهذا الحدث كان له عواقب وخيمة على روسيا ونفوذها في المشرق و افريقيا، و هي وفقا خبراء سياسيين، التي تقف وراء أذربيجان، التي اتخذت مسارا سياسيا معاديا لروسيا، معلنة أخوة الشعوب الناطقة بالتركية اي "بلاد توران" بما يتطابق مع غاية أذربيجان و تركيا" وصولا ٱلى إخراجها من منطقة القوقاز من خلال حرمان موسكو من الوصول إلى ممر “زانغيزوري” التي تسيطر علية قوات حفظ سلام روسية بعد الحرب الاخيرة بين يريفان و باكو و بالتالي الدخول إلى سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي باستقلالية كاملة عن روسيا
يرخوف” دبلوماسي و خبير في الشؤون التركية، وباحث” مستعرب بارع يعرف المنطقة جيداً و يجيد بناء علاقاتٍ وثيقة مع انظمة العالم الإسلامي،من الواضح أن تعيينه لم يكن محض صدفة. فتركيا اليوم منغمسة في الشأن سوريا ونسيطر سياسيا و أمنياً ، ربما تتحضر موسكو الافلام انقرة ان شرقي الفرات يبقى ورقة مساومة وما حركة طيران النقل العسكري المكثف إلى مطار القامشلي مؤكد بالاتفاق مع "قسد" هدفه افهام اردوغان ان روسيا ليست بوارد بلع خداعه لها و انها تعلم كيف توجع انقرة ، هي حركة شطرنج و رغبة الأكراد بحليف قديم جديد بعد تحركات لمبعوث ترامب و تصريحات بدات تخيف الأكراد بكل أحزابهم منها: انهم لا يستطيعون البقاء خارج سيطرة الدولة المركزية في دمشق بعد تقديم كل ما تملكه السلطة المؤقتة لإرضاء واشنطن و جعلتهم يتخلى عن دعم إدارة شمال شرق سورية.
اما في ضوء المساعي السياسية الأخيرة لأذربيجان ، التي اتسمت باحتواءٍ مباشرٍ للعداء مع روسيا ، اتخذت تركيا مع ذلك، موقفاً مؤيداً لأذربيجان دون أي حرج بالمناسبة، كما اتهمت رئيسة مؤسسة الصداقة و التعاون التركية الأذربيجانية، أيغون أتار، المقيمة في تركيا، روسيا بتدمير"الأتراك الأذربيجانيين" بسياسة ممنهجة وهي التسمية التي أطلقتها على أعضاء جماعة إجرامية روسية من اصل أذربيجاني تم توقيفهم في مدينة "يكاترينبورغ" الروسية نهاية حزيران. وعلى ما يبدو على عاتق والاختبار الاول ليرخوف ، هو كبح جماح” باكو” بعد تدهور ملحوظ في العلاقات بين روسيا وأذربيجان. ففي الأسابيع الأخيرة و شهدت المنطقة عدة صدامات دبلوماسية، بما في ذلك عملية تفتيش جماعية للمواطنين الروس من أصل أذربيجاني في مدينة يكاترينبورغ ، مما دفع باكو إلى تقديم احتجاج رسمي وإلغاء عدد من الفعاليات المشتركة على خلفية ذلك.
دعا الرئيس التركي رجب أردوغان الجانبين إلى ضبط النفس، مذكرا موسكو بأن أنقرة هي الراعية و المسؤولة عن أذربيجان ، وأنها تراقب عن كثب كل خطوة تتخذها روسيا في المنطقة في ظل هذه الظروف.
و لشخصية يرخوف أهمية خاصة ، إذ انعتبره الدبلوماسية التركية مفاوض قوي و براغماتي، وعلى علم دقيق و عميق بالمؤسسة السياسية التركية ، أي يستطيع التحدث إلى أنقرة بلغتها. و يتمتع يرخوف بخبرة في دبلوماسية الأزمات وعلى علم بان أردوغان يسعى لتنفيذ "مشروع عثماني جديد". و أليكسي يرخوف سيضطر إلى إرسال إشاراتٍ جادة إلى المنطقة بأسرها بشأن تعزيز السياسة الروسية
من خلال اتباع خطوات هامة وضع استراتيجية جديدة للعمل مع تركيا وأذربيجان، إضافة إلى تعزيز الموقف الروسي في سوريا وإيران وفلسطين وليبيا واليمن، وغيرها، بالإضافة إلى بناء سياسة أكثر توازنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث تواصل روسيا لعب دور الثقل الموازن للتوسع الغربي التركي.
روسيا من الدول القليلة في العالم الحديث التي تمتلك سلكًا دبلوماسيًا قويا، وكثير من ممثليها من أتباع هذا النهج القديم.
عندما تولى هؤلاء (بما في ذلك بوغدانوف ويريمكوف) مهامهم، كان الاتحاد السوفيتي يبني سياسة لا تزال تذكر موسكو بها بمواقف من قِبَل العديد من دول أفريقيا والشرق الأوسط ، امثال ليبيا التي تعتبر نفسها صديقة ولا تزال لروسيا، وينطبق الأمر نفسه على السلطات السابقة في سوريا، ولم تصنّف ممالك الخليج روسيا يومًا على أنها عدو، وتعاونت المملكة العربية السعودية مع موسكو لسنوات طويلة في سوق النفط ضمن إطار أوبك+ واليوم التحالف الاستراتيجي مع إيران؟
مع ذلك ، نجح الغرب في الحد من النفوذ والمشاريع الروسية في الشرق الأوسط على مر السنين ، واكتسبت تركيا، بصفتها ممثلة للطموحات الغربية في المنطقة، "وكيلًا" صاخبًا ومُثيرا للغضب في صورة أذربيجان. وتدفقت القنابل الإسرائيلية على إيران وفلسطين من باكو
في ظل هذه الخسارة الكرملين لن يكون من السهل توجيه السياسة الروسية وإعادتها إلى ما قبل الانقلاب في سورية ،هذا مؤكد ، لكن سيتولى ويحاول ذلك من يفهم تركيا أولاً وقبل كل شيء.
هناك أمثلة عديدة في تاريخنا على تقديم الإمبراطورية العثمانية تنازلات كبيرة للإمبراطورية الروسية خلال السنوات التي حاولت فيها القوى الغربية استخدام تركيا للضغط على روسيا و فشلت ، وسيعمل دبلوماسيون بارعون مثل أليكسي يرخوف على ضمان عدم نجاحهم.