كشف باحثون من معهد سكريبس للأبحاث عن دليل كيميائي يُرجح أن سكر الريبوز كان يتمتع بميزة طبيعية جعلته اللبنة الأساسية المفضلة لتكوين الحمض النووي الريبي (RNA) قبل بدء الحياة والبيولوجيا.
نُشرت نتائج الدراسة مؤخرا في مجلة Angewandte Chemie العلمية، حيث تشير إلى أن الريبوز، مقارنةً بسكريات مشابهة، يتفاعل مع الفوسفات — وهو مكون حاسم في RNA — بسرعة وكفاءة أكبر، مما يمنحه أفضلية محتملة في الظروف الكيميائية التي سبقت نشأة الحياة.
- لماذا التركيز على الريبوز؟
النيوكليوتيدات، اللبنات الأساسية لكل من RNA وDNA، تتكون من ثلاث وحدات: سكر مكوّن من خمس ذرات كربون (ريبوز أو ديأوكسي ريبوز)، مجموعة فوسفات، وقاعدة نيتروجينية مسؤولة عن حمل المعلومات الجينية (مثل A، C، G، U).
وتهدف أبحاث الأستاذ رامانارايانان كريشنامورثي، من معهد سكريبس، إلى فهم كيف ظهرت هذه الجزيئات المعقدة في الأرض البدائية.
وتركز هذه الدراسة تحديدا على خطوة "الفسفرة" — وهي المرحلة التي يرتبط فيها السكر (الريبوز) بمجموعة الفوسفات.
- ميزة الريبوز: التفاعل الأسرع والأكثر انتقائية
أظهرت الدراسة أن سكر الريبوز يخضع لعملية الفسفرة بواسطة مركب يُعرف باسم "ثنائي أميدو الفوسفات" (DAP) بسرعة تفوق ثلاثة سكريات أخرى تشترك معه في نفس الصيغة الكيميائية ولكن تختلف في البنية: الأرابينوز، والليكزوز، والزيلوز.
وبحسب ما توصل إليه الفريق عبر تقنيات التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي (NMR)، لم يقتصر تفوق الريبوز على سرعة التفاعل، بل أنتج أيضا بنية حلقية خماسية الزوايا (5-member ring) — وهي ذات البنية التي نجدها في RNA وDNA. أما السكريات الأخرى، فنتج عنها مزيج من حلقات خماسية وسداسية، مما يقلل من كفاءتها في بناء الحمض النووي.
- انتقائية مذهلة في التفاعل
عند مزج السكريات الأربعة مع DAP، لاحظ الباحثون أن الريبوز هو الذي تم فسفرته بشكل تفضيلي، بينما "علقت" السكريات الأخرى في مراحل وسطية من التفاعل، أما الريبوز، فتحوّل بنسبة كبيرة إلى شكل كيميائي مؤهل للارتباط بقاعدة نيتروجينية لتكوين نوكليوتيد.
يعلق كريشنامورثي قائلا: "لقد حصلنا على فائدة مزدوجة: أثبتنا أن الريبوز يتم فسفرته بشكل انتقائي من بين مجموعة سكريات، وأيضا أن هذا التفاعل ينتج جزيئا يمكنه أن يتحد لاحقا لتكوين RNA. لم نكن نتوقع أن يتوقف التفاعل عند مرحلة مفيدة بهذا الشكل لصناعة النيوكليوتيدات".
- تحذيرات وخطوات مستقبلية
على الرغم من هذه النتائج الواعدة، يُحذر الباحثون من التسرع في استنتاج أن هذا هو المسار الوحيد الذي أدى إلى ظهور الحياة.
يقول كريشنامورثي: "هذه التفاعلات تُظهر ما يمكن أن يكون ممكنا كيميائيا في غياب الحياة، لكنها لا تُثبت أن هذا ما حدث فعلا، ما زال هناك الكثير من الخطوات المفقودة بين هذه المرحلة وظهور RNA."
ويضيف أن الفريق يخطط في الأبحاث القادمة لاختبار ما إذا كانت هذه التفاعلات يمكن أن تحدث داخل بنى خلوية بدائية تُعرف بـ"الخلايا الأولية" أو Protocells.
ويختتم كريشنامورثي بقوله: "السؤال التالي هو: هل يمكن أن يتجمع الريبوز بشكل انتقائي داخل خلية أولية؟ وهل يمكنه أن يواصل التفاعل لتكوين النيوكليوتيدات داخلها؟ إذا استطعنا إثبات ذلك، فقد يؤدي هذا إلى نشوء ضغط كيميائي يدفع الخلية للانقسام والنمو — وهي جوهر الحياة كما نعرفها."