كتب الأستاذ حليم خاتون:
٢٤/٨/٢٠٢٥
السؤال ليس عن المدى الذي يمكن للأميركي أن يذهب إليه؛ السؤال هو عن مدى الإذلال الذي يمكن لمحور المقاومة تحمله...
لا يشك أي كان في صعوبة الوضع الذي وصلت إليه المنطقة بعد سقوط سوريا في يد تحالف غير هجين، وغير متجانس، ودخول الصفقة السورية في بازار القوى الدولية المتمثلة في روسيا وأميركا من جهة؛ وبين القوتين الإقليميتين المتمثلتين في تركيا وإسرائيل حصرا من جهة ثانية...
يبدو أن الضلع الإيراني في مثلث القوى الإقليمية التي تسيطر على الشرق الأوسط في تضاؤل لا يتوقف رغم النتائج الهزيلة الذي انتهى إليه العدوان الثنائي الأميركي الإسرائيلي على إيران...
قد تكون إيران لم تُهزم في هذا العدوان؛ كما قد تكون أميركا وإسرائيل لم تنتصرا بعد نجاح الضربات الصاروخية الإيرانية في استعادة بعض الردع؛ لكن إيران تلقت ضربات قوية جدا على الصعيد الإقليمي افقدت الإيرانيين أوراقا ثمينة جدا وحولتهم إلى قوة بلا أسنان متينة رغم الأبواق التي تحاول إعطاء صورة نصر سواء عند الطرف المقاوم أو الطرف الأميركي الصهيوني...
من ينظر بعين مجردة من الأعلى على مجرى الأحداث في كامل جغرافيا المنطقة الممتدة من فلسطين إلى لبنان فسوريا والعراق وصولا إلى أذربيجان وأرمينيا وجورجيا وحتى أوكرانيا، يرى أن المشروع الأميركي يتقدم حتى لو فرضت البراغماتية على هذا المشروع تغيير لونه او لباسه بين الحين والآخر...
لقد تبين بلا أي التباس أن الجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني كانت أكثر قوة من الجبهة الداخلية في كل من إيران والعراق وسوريا ولبنان...
هم على الأقل أعاروا هذه الجبهة اهتماما كبيرا، بينما لم يفعل محور المقاومة أي شيء يذكر:
لا ملاجئ؛ لا بني تحتية دفاعية قوية؛ ضعف كبير جدا في التماسك الخ...
إذا كانت الطوائف في لبنان تكتل معظم أفرادها لذبح معظم بيئة المقاومة الموجودة عند الطائفة الشيعية؛ فإن نفس النغمة ظهرت في العراق ليس عند الأكراد والسُنّة فحسب، بل حتى عند نسبة كبيرة من الشيعة أيضا الذي تفوق صراخهم في حملة "بدنا نعيش" على أكثر من خمسين بالمئة من الشعب اللبناني، يلهثون كما الكلاب خلف المال الخليجي، والسعودي تحديدا، رغم احتقار محمد بن سلمان لكل هؤلاء، وازدرائه بهم...
نفس الوضع سيطر على سوريا حيث مات الشعور القومي العربي وانقسمت الطائفة السُنّية التي تشكل الأغلبية إلى قطيعين من الغنم، واحد يتبع الراعي التركي مع كلبه القطري، والثاني يتبع الراعي الإسرائيلي مع كلبه السعودي وتلاقي الجميع تحت مظلة الناتو الأميركي رغم بعض التباينات...
أما إيران، فقد تبين انها كانت مخروقة كما قطعة الجبنة بآلاف وربما عشرات وحتى مئات الآلاف من الأكراد والأذريين والبلوش والعرب وحتى الفرس أنفسهم...
تبين أن إسرائيل وأميركا امتلكتا قواعد هجوم داخل إيران نفسها، وأن الجسم العلمي والعسكري الإيراني كانا صفحة شفافة جدا على شاشات مركز القيادة الأميركية الإسرائيلية...
لا يحتاج المرء إلى أية بحوث عميقة حتى يكتشف أن ما يسمى تيار إصلاحي في إيران كان السبب الأساس في هذا الوهن الكبير الذي أصاب الجسم الإيراني...
انتهت الدولة السورية الى جنوب تسيطر عليه إسرائيل يمتد عبر التنف ليصل إلى مناطق الأكراد التي يسيطر عليها الأميركيون؛ وغرب يبدو أنه سوف يكون من نصيب الروس وشمال ووسط سوف يكونا جزءا من العثمانية الجديدة التابعة للناتو...
وحده ربما اليمن صمد أمام المد الأميركي...
الوهن والضعف الذي ظهر في الجبهة الداخلية الرخوة في إيران، كان أكثر انتشارا وأكثر عمقا في لبنان...
بموافقة وضيعة من الثنائي أمل/ حزب الله، ركب الأميركيون سلطة تنفيذية رئاسية وحكومية تابعة بالمطلق لأي موظف أميركي حتى لو كان جنديا يحرس السفارة بعد ان كانت السلطة القضائية في لبنان تتلقى تعاليم وإرشادات السفارة الأميركية دون أي جرأة على أي إعتراض؛ وبعد أن تبع معظم السلطة الرابعة الإعلامية أوامر دول الموز الخليجية...
بفضل سياسة الأخطاء المميتة التي ميزت معظم اللحظات الحرجة من حرب الإسناد، وصلت بيئة المقاومة في لبنان إلى اسفل درك الإذلال اليومي الذي يقوم به عملاء أميركا وإسرائيل والخليج التابع لأميركا وإسرائيل...
لقد أوصل حزب الله لبنان إلى السقوط في أيدي الأميركيين عبر سلسلة من السقطات لم تبدأ بإيصال رجل أميركا إلى سدة الرئاسة، ولم تنته بتأليف حكومة يرأسها عميل أميركي وفيها عدة وزراء يشكلون جسما يعمل موضوعيا لحساب إسرائيل تحت لافتة العداء لكل تاريخ المقاومات التي مرت على هذا البلد...
لم يعد المرء يثق بمدى جدية هذه المقاومة، ومدى جدية العمل فيها لاستعادة البلد من بين مخالب أميركا وأنياب إسرائيل...
بين حماسة فادي بو دية ورفيق نصرالله ويأس قاسم قصير وتخبط شريحة واسعة من أبواق المقاومة، تضيع بيئة المقاومة...
ربما كان تعبير ميخائيل عوض حول خطورة تجميد سلاح المقاومة الذي يسري منذ بدء وقف إطلاق النار من جهة واحدة فقط، هو خير تعبير عن البؤس الذي وصلت إلية هذه البيئة. التي باتت على حافة الانفجار...
من يريد هزيمة المشروع الأميركي الصهيوني لا يستطيع الاستمرار في سياسة شراء الوقت إلى ما لا نهاية...
عاجلا أم آجلا، يجب الخروج بعمل واضح يستند إلى خطة واضحة وإلا...
لن يرحم التاريخ هذه المقاومة على كل العثرات التي ميزت مسيرتها منذ عدم الرد على قتل الشيخ العاروري وصولا إلى الرد المخزي على اغتيال السيد نصرالله...
مهما ضَعُفَ موقف المقاومة، هي لا تزال تمتلك من السلاح والقوة ما يمكّنها من قلب الطاولة واستعادة زمام المبادرة؛ غزة واليمن أبرز مثال...