يُعتبر الرابع من سبتمبر عام 1837 يوماً فارقاً في تاريخ تكنولوجيا الاتصالات، إذ عرض العالم والمخترع الأمريكي صموئيل مورس لأول مرة النموذج الأولي العملي لجهازه الشهير: التلغراف، وقد جاء هذا الاختراع ليشكّل ثورة حقيقية في طريقة تواصل البشر، فاتحاً الباب أمام عصر جديد من تبادل المعلومات عبر المسافات الطويلة.
في ذلك اليوم التاريخي، قدّم مورس عرضه الأول في جامعة نيويورك، حيث كان يشغل منصب أستاذ الرسم. وكان طول الخط التجريبي للتلغراف حينها يبلغ 500 متر، وهو إنجاز تقني كبير بالنسبة لذلك الوقت. لكن المحاولة الأولى لإرسال برقية باءت بالفشل، إذ خرجت الرسالة غير قابلة للقراءة بسبب التعقيد الشديد للرموز المستخدمة.
- ولادة شفرة مورس
لم يستسلم مورس لهذه العقبة، فخلال أقل من ستة أشهر ابتكر نظاماً جديداً يعتمد على الإشارات الطويلة والقصيرة لترميز الرسائل، ليولد بذلك نظام الترميز الشهير الذي عرف لاحقاً باسم شفرة مورس، وقد تمثلت الفكرة في تحويل الحروف والكلمات إلى مزيج من النقاط والشرطات، يُطبع على شريط ورقي ليسهل قراءته وإرساله عبر مسافات شاسعة.
- انتشار التلغراف عالمياً
أحدث التلغراف نقلة نوعية في عالم الإعلام والاتصال؛ ففي عام 1848 تأسست وكالة الأنباء العالمية أسوشيتد برس، والتي أنشأت شبكتها الخاصة لنقل الأخبار عبر التلغراف. وفي عام 1866 تحقق إنجاز تاريخي آخر بمد خط تلغراف كابلي عبر قاع المحيط الأطلسي، ليربط بين أمريكا وأوروبا ويوحّد العالم في شبكة تواصل غير مسبوقة.
- رسائل غيرت مجرى التاريخ
من أبرز الرسائل التي ارتبطت بالتلغراف كانت إشارة الاستغاثة الشهيرة SOS، والتي تعني: "أنقذوا أرواحنا"، وقد أصبحت رمزاً عالمياً لطلب النجدة في الحالات الطارئة.
- من إشارات الدخان إلى الإنترنت
قبل التلغراف، اعتمد البشر على وسائل بدائية مثل إشارات النيران والدخان والصفير للتواصل عبر المسافات، لكن هذا الاختراع نقل البشرية إلى عصر جديد كلياً. واليوم، نعتبر الاتصال الفوري عبر البريد الإلكتروني، المحادثات المرئية، وشبكات التواصل الاجتماعي أمراً طبيعياً، وكل ذلك يعود إلى الثورة التي أطلقها التلغراف قبل ما يقارب قرنين من الزمن.
لقد غيّر اختراع مورس ليس فقط شكل الاتصالات، بل أسس للبنية التحتية التي تقوم عليها شبكات الاتصال الحديثة، وصولاً إلى عالم الإنترنت والاتصالات السريعة الذي نعيشه اليوم.