في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بظاهرة السمنة ومضاعفاتها، يواجه بعض الأشخاص على الطرف الآخر من الطيف تحدياً مختلفاً تماماً: النحافة المفرطة . هؤلاء الأفراد الذين يُعرفون علمياً بـ"النحافة الدستورية" يعانون من صعوبة شديدة في اكتساب الوزن رغم تناولهم كميات كافية – بل أحياناً زائدة – من الطعام.
تشير الدراسات إلى أن نحو 1.9% من سكان العالم يعانون من هذه الحالة، بما يعادل 6.5 ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها، هؤلاء لا يعانون من فقدان الشهية أو اضطرابات الأكل، بل على العكس قد يتناولون وجبات دسمة ويستهلكون سعرات حرارية تفوق احتياجاتهم اليومية، ومع ذلك يبقى مؤشر كتلة الجسم لديهم أقل من 18.5، بل قد يصل في بعض الحالات إلى 14 فقط.
الجينات والأيض تحت المجهر
أول توثيق علمي لهذه الظاهرة يعود إلى عام 1933، لكن دراسة محورية في التسعينيات أثبتت أن العوامل الجينية تلعب دوراً أساسياً، ففي تجربة على توائم متطابقة، تبين أن استجابتهم لزيادة السعرات الحرارية كانت مختلفة جذرياً، ما أكد وجود أساس وراثي يحدد قدرة الجسم على اكتساب الوزن أو مقاومته.
الأبحاث الحديثة كشفت أيضاً أن النحافة الدستورية قد ترتبط بنشاط جينات مثل ALK، الذي يؤدي تعطيله لدى الفئران إلى مقاومة تراكم الدهون رغم تناول غذاء غني بالدهون. كما أظهرت الدراسات أن هؤلاء الأفراد يمتلكون أنسجة دهنية "بنية" أكثر نشاطاً، وهي مسؤولة عن حرق السعرات لتوليد الحرارة.
آثار صحية واجتماعية
رغم أن البعض ينظر للنحافة كمظهر مرغوب، إلا أن النحافة المفرطة قد تحمل مخاطر صحية مثل:
انخفاض الكتلة العضلية بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بالأشخاص ذوي الوزن الطبيعي.
ضعف كثافة العظام مما يزيد خطر الإصابة بهشاشة العظام مع التقدم في العمر.
انخفاض احتياطي البروتين في الجسم مما يؤثر سلباً على مقاومة الأمراض.
اجتماعياً، يواجه هؤلاء الأفراد ما يُعرف بـ"التنمر على النحافة" أو Skinny Shaming. فبينما يتعرض أصحاب الوزن الزائد للوصم، يعاني النحيفون من تعليقات جارحة تتهمهم باضطرابات الأكل أو عدم الأنوثة أو الهزال المفرط.
الأمل في المستقبل
يأمل العلماء أن يقود فهم أسرار النحافة الدستورية إلى ثورة علاجية مزدوجة: مساعدة النحيفين على اكتساب الوزن بطريقة صحية، وابتكار أدوية فعالة لمكافحة السمنة عبر محاكاة آليات الأيض الطبيعية لدى هؤلاء الأشخاص.
أما على المستوى الفردي، فتظهر تجارب ناجحة مثل تجربة مدربة اللياقة البريطانية بيلا بارنز، التي تمكنت من زيادة وزنها 18 كيلوغراماً من خلال مزيج من التمارين المقاومة والتغذية المكثفة، لتصبح لاحقاً مصدر إلهام لمئات النساء اللواتي يعانين من النحافة المفرطة.