هل اختلف الوضع بعد الدوحة؟
مقالات
هل اختلف الوضع بعد الدوحة؟
حليم خاتون
23 أيلول 2025 , 11:44 ص

كتب الأستاذ حليم خاتون:

"ما بعد الدوحة ليس كما قبلها"، يقول الشيخ نعيم قاسم قبل أن يطلق ذلك النداء المُحيّر جدا للحوار مع السعودية...!

ما أن أطلق الشيخ قاسم هذا النداء وهذه المقولة حتى هب طيف كبير من كتبة المقاومة وإعلامييها بتغيير اللهجة نحو السعودية والخليج ١٨٠ درجة...

من رئيس تحرير جريدة البناء الأستاذ ناصر قنديل الذي ينطلق من تحليل أن إطلاق الشيخ نعيم قاسم لهذا النداء لا بد أن يستند إلى واقع حتمية وجود إتصالات من المفروض ان تكون قد بدأت فعلا؛ إلى الإعلامي عبد الله قمح الذي يتبنى عدة قصص تتحدث عن تغيّر ما في موقف السعودية في لبنان الذي انقلب من موقف العداء المستحكم المطلق لإيران ومحور المقاومة إلى لين لا نراه لكنه يظل قائما على ذمة الأستاذ قمح؛ وصولا إلى الدكتور قاسم قصير الذي يريد بإخلاص قوي جدا تصديق هذا التغيير في الموقف السعودي بعد نداءات استمرت طيلة السنة الفائتة لم يتوقف خلالها الدكتور قصير عن الدعوة إلى يقظة عربية واستفاقة لبنانية من أجل مواجهة حرب الوجود بين الأمتين الإسلامية والعربية عامة، وطوائف لبنان خصوصا من جهة في مواجهة عالم الصهيونية الممتد من أميركا ومعظم الغرب وبعض الشرق إلى إسرائيل من جهة ثانية...

في مقابل هذه التحليلات التي تعبّر عن أماني شبه مستحيلة عند كل الوطنيين المخلصين، يرسل تلفزيون الجديد الذي أصبح ناطقا شبه رسمي لمنظومة مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي إشارات مناقضة تماما لهذه الأمنيات، ويزيد هذا التلفزيون مؤكدا أن موقف وزير الخارجية السعودي يزيد بن فرحان في الإصرار والضغط على السلطات اللبنانية الحالية التابعة بالكامل لهذه المنظومة الخليجية لم يتغير في الدفع إلى مواجهة محور المقاومة والإصرار على عملية حصر السلاح وربط ذلك بوعود إبليس لهذا البلد في جنة سبق أن وُعد بها الأردن ومصر قبل أن يغرق البلدان في أزمات اقتصادية واجتماعية تهدد الكيانين معا...

إلى قناة الجديد تنضم نفس جوقة الإعلام المرئي والمسموع التابع لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، ومعهم معظم الصحافة اللبنانية التي تتلقى ثمن طباعة صفحاتها من هذه المنظومة نفسها؛ تنضم هذه الصحافة لتقول أن دعوة الشيخ نعيم قاسم ليست أكثر من محاولة حزب الله فك العزلة التي وقع فيها نتيجة الضربات التي تلقاها في حرب إسناد غزة على يد الأميركيين وإسرائيل...

أمام هذين الموقفين يقف المواطن اللبناني حائرا لا يعرف من يصدق...

يتمنى هذا المواطن فعلا أن تكون الوطنية اللبنانية قد استفاقت رغم التجارب المريرة التي تؤكد أن الموتى لا يعودون إلى الحياة وأن النظام الرسمي العربي بأكمله قد استهلك الأرواح السبعة كلها التي قد تتواجد عنده كما عند القطط، وقد شبع فعلا موتا...

أما التوابع اللبنانية لهذا النظام الرسمي العربي فهي تتألف من حزبي القوات اللبنانية والكتائب اللذين لم يترددا في التعامل مع إسرائيل أثناء الحرب الأهلية، بالإضافة إلى مجموعات طائفية سُنّية ودرزية رقصت فرحا في الشوارع في كل مرة كان يسقط فيها قادة حزب الله شهداء في القتال إسنادا لفلسطين ضد العدو الصهيوني؛ كما لم يتردد كل هؤلاء دون استثناء في تهديد المقاومة بوجوب تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني لتدميره بإشراف ضباط أميركيين منتدبين من السفارة وإلا فإن إسرائيل سوف تجتاح مناطق بيئة المقاومة التي تتكون بالغالب من الشيعة من الجنوب والشرق بعد أن صارت إسرائيل تسيطر على معظم جنوب سوريا؛ بينما تتكفل قوات أبو محمد الجولاني المدعومة إماراتيا وسعوديا وقطريا وتركيا بالدخول من الشمال والشمال الشرقي حيث يتجمع كل زنادقة الأرض من شيشان وإيغور وتركمان ووهابيين عرب نفذوا ولا يزالون ينفذون مجازر وحشية ضد المسيحيين والعلويين على الساحل السوري وسط تعتيم أميركي كامل وصمت روسي مريب كان سبق أن باع سوريا لإسرائيل وتركيا لأثمان أوكرانية لم يستسلم لها الأوكرانيون...

"لا يُلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين!"

صحيح ان إسرائيل كشرت عن أنيابها ولم تعد تهتم للتطبيع بعد أن تمكنت بفضل التخطيط الجيد الذي قامت بحبكه على مدى عشرات السنين من التحكم بمعظم المؤسسات الدولية ولم تعد بحاجة إلى اكثر من عبيد يخضعون إلى إملاءاتها دون اعتراض...

وصحيح أن إسرائيل لم تعد بحاجة لا للوساطة القطرية ولا لوساطة مصر بعد أن نجحت في اغتيال معظم الوفود المفاوضة والكثير من قادة محور المقاومة وصارت شاشة الجزيرة عبئا عليها بعد أن خدمت طويلا في مشروع كي الوعي العربي وصارت قناتي العربية والحدث السعوديتين أكثر من بوقين للبروباغاندا الصهيونية...

إلا أن كل هذا لا يعني أن العرب أو المسلمين قد استفاقوا من التخدير الغربي والأميركي...

لقد برهنت قمة الدوحة الأخيرة أن كل هؤلاء العرب والمسلمين بما في ذلك الأتراك وحتى الإيرانيين الذين يتحكم بهم اليوم جناح الإصلاحيين ليسوا مستعدين لأكثر من الخضوع لإملاءات واشنطن...

مؤتمر جمع ٥٧ دولة يزيد عدد سكانها على مليارين من البشر لم يستطع حتى على اتخاذ إجراء واحد بسيط يقوم عل طرد السفراء الاسرائيليين...

لا تزال قناة الجزيرة تقوم بنفس مهمة كي الوعي العربي، تنافسها في ذلك قناتي العربية والحدث....

حتى المكتب التجاري الإسرائيلي في قطر تعطل بأمر اسرائيلي لأن الدوحة لا تجرؤ على أي أمر لا توافق عليه أميركا...

أما مسرحية اتفاق الدفاع المشترك الباكستاني السعودي أو الشراكة الباكستانية المصرية... كل هذا لا يُبعد كل هذه الأطراف من تحت المخالب الأميركية التي تمسك بالجميع من رقابهم...

كُتب على الفلسطينيين وأكثر من نصف اللبنانيين أن يكونوا هم ضمير أمة ماتت وشبعت موتا...

يدعوا لهؤلاء عند الله قسم من اهل العراق، ويساندهم بما تيسر فقط قسم من عرب اليمن ممن لا يزال على مبادئ الأخلاق والمروءة وسط بحور ومحطات من الموتى الأحياء من عرب ومسلمين كل همهم الأكل والمرعى وبعض الرقص والترفيه...

كما انتم، وكما تكونون، يُولّى عليكم...

ومن أحق بحكم أهل القبور من أهل القبور أنفسهم بعد حياة باذخة ابنعد فيها الجميع عن وصايا الرب وتجرا بعض هؤلاء على ذبح كل من لا يكون على فكرهم في نشر الجهل والتكفير...

حليم خاتون