”دماء على المذبح...وخيانة في المربع، وصمود يتحدى المدفع. حين يسقط القناع عن وجه الطغيان...وتنتصر الحجارة على سلاح النسيان".
حين يختلط الدم بالماء، وتستحيل الطفولة إلى رماد يذروه صقيع القصف، ندرك أن الصراع لم يعد بين حدود وسلاح ليبني مجده المزعوم على أنقاض المستضعفين. إنها حرب تسكنها مفارقة ميتافيزيقية: موت الأبرياء حياة للحقائق. وانكسار الحجر ولادة لعصر جديد من الصمود. جرائم الإحتلال ليست صفحات عابرة، بل أرشيف متخم بأشلاء وأرقام. أم ثكلى، طفل ترجمته الشظايا، ومدينة أطفأت أنوارها كي تظل عروش الطغاة مضاءة. أليس هذا هو الجينالوجية الحقيقية للعدوان؟ منذ النكبة حتى اليوم، سردية راديكالية من البطش، تتخفى خلف شعارات ديمقراطية مزعومة، بينما الواقع يفضح: قتل ممنهج، حصار متقن، وتطهير نفس قبل أن يكون جسديا. وإذ يلتزم من ذكروا بالقرآن العظيم بالأشد نفاقا، صمتا مرييا، أو ينسجون خيوط التبرير، تشرق من المشرق الكبير شمس أبدية الضياء، تدعى رمز العزة والكبرياء، ”طهران" لتؤكد أن الكرامة لاتباع ولاتشترى، إن جمهورية النصر المبين لثورة 1979. التي جعلت من نصرة المستضعفين ميثاقا أبديا.
ومن الشرق الآسيوي، تنهض أخت عريقة، بصلابة سنديانها، لتقول: لايليق بالأمة أن تفرط بقضاياها، باكستان التي برهنت أن المواقف أثقل من السلاح.
أما المقاومات في مشرقنا العربي، ففي بلد رأس شمرا أوغاريت الأبجدية الأولى تتفتح الكرامة كما تتفتح الحروف على ألواح التاريخ، وفي بلد الجمال بلد الارز لبنان الحبيب وشعبه الشقيق العريق، ينكتب النص المقاوم بحبر لايجف، كأنهما معا يشكلان جسرا بين الماضي والحاضر، بين هوية مغتصبة وصوت لايقبل الصمت.(ولاتحسبن الله بغافل عما يفعل الظالمون). إبراهيم: 42
آية عطرة مباركة تضع الحقيقة في نصابها: أن الحق مؤجل لكنه قادم، وأن المكر مهما طال فإن مآله إلى زوال. فالخذلان خزي، والصمت جريمة لاتقل عن القصف. غير أن التاريخ لايكتب بالمداد وحده، بل بالدمع والصمود والحجر الذي يلقى ليعلن أن المقاومة ليست خيارا ثانويا بل هي قانون الوجود. سيظل قطاع الشرف والكرامة والشهامة و البطولة والعزة شاهدا على تهاوي الأساطير المصنوعة، وسيبقى الأمل مشرعا، مادام في الأمة بقايا من كرامة تحافظ على عهدها مع الله والتاريخ.
مفكر حر، محلل أخباري،
وإعلامي سوري سابق في الغربة.