كنا نظن أن الذكاء الاصطناعي سيجلب لنا سيارات ذاتية القيادة وروبوتات تقوم بمهامنا اليومية. لكن ما حدث هو العكس تقريباً: الآلات فشلت في المهام الجسدية البسيطة، بينما حققت خوارزميات الذكاء الاصطناعي تقدماً مذهلاً في المجالات الفكرية، من لعب الشطرنج إلى كتابة الشعر. والأكثر غرابة هو قدرتها على إظهار نوع من "الإبداع" لم يتوقعه العلماء.

كيف تعمل نماذج الانتشار؟

نماذج الانتشار (Diffusion Models)، مثل DALL·E وImagen وStable Diffusion، صُممت لتوليد نسخ مشابهة للصور التي تدرّبت عليها، لكنها في الممارسة تنتج صوراً جديدة تماماً تحمل دلالات ومعاني بصرية مبتكرة. هذه المفارقة حيّرت الباحثين: إذا كانت النماذج مجرد "ذاكرة رقمية"، فكيف تولّد محتوى جديداً؟

العيوب التقنية التي تولّد الإبداع

وفقاً لدراسة حديثة سيُعرض جزء منها في المؤتمر الدولي لتعلّم الآلة 2025، فإن "الإبداع الاصطناعي" ليس نتيجة عشوائية، بل هو ناتج عن العيوب التقنية في عملية إزالة الضوضاء داخل النماذج. الباحثان مايسون كامب وسوريا غانغولي من جامعة ستانفورد أثبتا أن هذه العيوب ليست نقاط ضعف، بل هي ما يمنح النماذج قدرتها على الابتكار.

النموذج الرياضي الجديد الذي طوراه (ELS Machine) أثبت بدقة أن ميزتي المحلية (Locality) والتكافؤ الانتقالي (Translational Equivariance) — واللتان طالما اعتُبرتا قيوداً — هما في الواقع الأساس الذي يولّد الإبداع الاصطناعي.

التشابه مع الإبداع البشري

المثير أن هذه الظاهرة تشبه ما يحدث في علم الأحياء، وبالتحديد في الأنماط التكوينية (Turing Patterns) التي تفسر كيفية تشكّل الأعضاء في الأجنة. كما أن الصور الأولى للذكاء الاصطناعي، التي أظهرت بشراً بعدد أصابع غير طبيعي، ذكّرت الباحثين بالأخطاء التطورية في النمو الجنيني.

ماذا يعني هذا للمستقبل؟

هذا البحث لا يكشف فقط أسرار الإبداع الاصطناعي، بل يفتح الباب لفهم جديد للإبداع البشري نفسه. فكما يقول الباحث بنيامين هوفر من معهد جورجيا للتقنية: "البشر والذكاء الاصطناعي قد لا يكونان مختلفين كثيراً في طريقة الإبداع. كلاهما يعيد تركيب ما يعرفه ليبتكر شيئاً جديداً."

إبداع الذكاء الاصطناعي ليس سحراً ولا وعياً ذاتياً، بل هو نتيجة طبيعية لبنيته الرياضية، ومع ذلك قد يقود هذا الاكتشاف إلى إعادة التفكير في معنى الإبداع، سواء في الآلات أو عند البشر.