خطت الصين خطوة كبيرة في مجال فيزياء الجسيمات بعد أن نجح فريق من معهد تسونغ-داو لي بجامعة جياو تونغ في شنغهاي في اختبار جهاز متطور أطلق عليه اسم “ناشر الأدوات الدقيقة تحت البحر بإطلاق مرن” (Spider)، أو ما يُعرف اختصارا بـ“العنكبوت البحري”.
هذا الاختبار يُعد خطوة رئيسية نحو إنشاء تلسكوب "ترايدنت" العميق لرصد النيوترينوات في بحر الصين الجنوبي، وهو مشروع ضخم يسعى العلماء من خلاله إلى دراسة هذه الجسيمات شبه عديمة الكتلة التي تُعتبر من أكثر أسرار الكون غموضا .
نجاح التجربة البحرية بعد ثماني نسخ تصميمية
وفقا لتقارير صحيفة South China Morning Post، أُجري اختبار "العنكبوت" بعد ثماني نسخ تصميمية وعدة تجارب ميدانية، وجاءت النتائج ناجحة بالكامل.
ورغم أن الموقع الدقيق للاختبار لم يُكشف عنه، إلا أن التجربة أثبتت قدرة الجهاز على العمل في أعماق تصل إلى أكثر من 1700 متر تحت سطح البحر.
الجهاز تمكن من التمركز بثبات فوق قاع المحيط، ثم دار بسلاسة لمدة عشر دقائق، مطلقا حبلا بطول 700 متر يحتوي على 20 حساسا و4 كتل طفو، وُضعت بدقة لتشكيل قاعدة بيانات ضخمة تمهد لبناء المرصد الكامل.
ما هي النيوترينوات؟ ولماذا البحث عنها مهم؟
النيوترينوات هي جسيمات أولية شبه عديمة الكتلة ومحايدة كهربائيا، تتولد خلال الانفجارات النجمية والتفاعلات النووية داخل النجوم.
تمر مليارات النيوترينوات عبر أجسامنا والأرض كل ثانية دون أن نلاحظها، بسبب قدرتها على اختراق المادة دون تفاعل يُذكر.
رصد هذه الجسيمات يحتاج إلى بيئة هادئة تماما بعيدة عن الإشعاعات والضوضاء، مثل أعماق البحار أو الجليد القطبي، ما يجعل تجربة الصين خطوة مهمة في تطوير مراصد نيوترينو متقدمة.
تلسكوب "ترايدنت": نافذة جديدة على أسرار الكون
سيُبنى تلسكوب "ترايدنت" على عمق يقارب 3,500 متر تحت سطح البحر، حيث الظلام التام والهدوء الكامل، مما يُتيح الكشف عن الضوء الخافت الناتج عن تصادم النيوترينوات.
تتميز هذه البيئة بغياب أشعة الشمس والاهتزازات السطحية والإشعاعات الطبيعية، مما يجعلها مثالية لالتقاط تلك الاصطدامات النادرة.
ويؤكد العلماء أن مراصد النيوترينوات البحرية تمتلك ميزة فريدة مقارنة بالمراصد البرية، إذ توفر حجوم رصد ضخمة وقدرة أفضل على عزل الضوضاء الكونية.
الصين تنافس العالم في سباق مراصد النيوترينوات
تأتي هذه الخطوة في ظل وجود مراصد عالمية ضخمة مثل:
IceCube في القطب الجنوبي، الذي يستخدم أكثر من 5,000 حساس مجمد داخل كيلومتر مكعب من الجليد.
Baikal-GVD في روسيا، أول تلسكوب نيوترينو تحت الماء في بحيرة بايكال بسيبيريا.
كما تعمل الصين أيضا على مشروع آخر يُعرف باسم تلسكوب النيوترينو عالي الطاقة تحت الماء (HUNT)، والذي سيُقام هو الآخر في بحر الصين الجنوبي، ومن المتوقع أن يكون الأكبر في العالم بحجم رصد يصل إلى 30 كيلومترا مكعبا.
نحو فهم أعمق للمادة والكون
إن نجاح اختبار “العنكبوت البحري” يمثل خطوة محورية نحو بناء تلسكوب “ترايدنت” الذي سيُحدث ثورة في دراسة النيوترينوات وفهم أصول الأشعة الكونية.
هذه الجهود تعكس طموح الصين في الريادة العلمية العالمية، وسعيها إلى كشف أسرار الكون الغامض عبر أعماق البحار.