أعلن باحثون من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس (UCLA) عن تطوير علاج مناعي جديد قد يغير مسار علاج سرطان الثدي الثلاثي السلبية ، أحد أكثر أنواع السرطان عدوانية وصعوبة في العلاج.
العلاج الجديد، المسمى CAR-NKT، يعتمد على خلايا مناعية مهندسة وراثيا يمكن إنتاجها بكميات كبيرة وتخزينها لتكون جاهزة للاستخدام الفوري، مما يمثل نقلة نوعية في الوصول إلى العلاجات المناعية وبتكلفة منخفضة نسبيا.
نُشرت تفاصيل الدراسة في مجلة Journal of Hematology & Oncology، وأكد الفريق أن هذا العلاج قد يكون "منتجا واحدا يناسب الجميع" بفضل قدرته على استهداف عدة أنواع من السرطان.
سرطان الثدي الثلاثي السلبية
يُعد سرطان الثدي الثلاثي السلبية من أشد أنواع السرطان فتكا، إذ يفتقر إلى المستقبلات الثلاثة (الإستروجين، البروجستيرون، HER2) التي تساعد في توجيه العلاجات التقليدية. ونتيجة لذلك، تظل خيارات العلاج محدودة، وغالبا ما تكون فعاليته قصيرة الأمد.
تقول البروفيسورة ليلي يانغ (Lili Yang)، أستاذة علم الأحياء الدقيقة والمناعة وعلم الوراثة الجزيئية في UCLA: "لقد انتظر مرضى سرطان الثدي الثلاثي السلبية طويلًا للحصول على خيارات علاجية أكثر فعالية، والآن نحن على وشك تقديم علاج يظهر قدرة فائقة على محاربة السرطان، ونحن على بعد خطوة واحدة فقط من التجارب السريرية."
آلية عمل CAR-NKT: هجوم مناعي من ثلاث جبهات
على غرار العلاج المعروف CAR-T المستخدم في بعض سرطانات الدم، يعتمد هذا العلاج الجديد على خلايا مناعية هندسية، لكن فريق UCLA اختار نوعا نادرا من الخلايا يُعرف باسم الخلايا التائية القاتلة الطبيعية (NKT)، التي تتميز بقدرتها على مهاجمة الأورام من عدة اتجاهات في آن واحد.
ويتم تزويد هذه الخلايا بـ مستقبل كيميائي اصطناعي (CAR) يستهدف بروتينا يُسمى ميسوثيلين (Mesothelin)، وهو بروتين يوجد بكثرة في الخلايا السرطانية لسرطان الثدي الثلاثي السلبية.
العلاج يهاجم السرطان بثلاث آليات متكاملة:
1. الاستهداف المباشر: عبر مستقبل CAR الذي يتعرف على بروتين ميسوثيلين ويدمر الخلايا الحاملة له.
2. الهجوم المتعدد: بفضل مستقبلات القتل الطبيعية، التي تتعرف على أكثر من 20 علامة جزيئية مختلفة، مما يجعل هروب الورم من المناعة أمرًا شبه مستحيل.
3. تعديل البيئة الورمية: من خلال تدمير الخلايا المثبطة للمناعة التي تحيط بالورم وتحميه من العلاج.
يقول يانرويد (تشارلي) لي، الباحث المشارك في الدراسة: "نهاجم الورم من كل الاتجاهات في وقت واحد، وكأننا نقتحم قلعة محصنة لا يمكنها التكيف بسرعة كافية للنجاة.
نتائج مذهلة في التجارب ما قبل السريرية
عند اختبار العلاج على عينات أورام بشرية من مرضى بسرطان الثدي النقيلي في مراحله المتقدمة، تمكنت خلايا CAR-NKT من قتل جميع الخلايا السرطانية في كل عينة تم اختبارها، مع القضاء في الوقت ذاته على الخلايا المثبطة للمناعة المحيطة بالورم.
هذا الإنجاز يُعد سابقة في علاج الأورام الصلبة، التي لطالما كانت عصيّة على العلاجات المناعية.
تكلفة منخفضة وإمكانية إنتاج على نطاق واسع
أحد أهم التحديات في العلاجات المناعية الحديثة هو التكلفة العالية والتعقيد التصنيعي، حيث تتطلب العلاجات التقليدية جمع خلايا المريض وتعديلها جينيا ثم إعادتها إليه، وهي عملية قد تستغرق أسابيع وتكلف مئات الآلاف من الدولارات.
لكن نهج فريق UCLA مختلف تماما، إذ يمكن إنتاج خلايا CAR-NKT من خلايا جذعية متبرع بها بكميات ضخمة تكفي لعلاج آلاف المرضى، مما يخفض التكلفة إلى نحو 5,000 دولار فقط للجرعة الواحدة.
علاج واحد لأنواع متعددة من السرطان
لا يقتصر هذا العلاج الواعد على سرطان الثدي الثلاثي السلبية فقط، فبروتين ميسوثيلين موجود أيضا في سرطانات المبيض، والبنكرياس، والرئة.
وهذا يعني أن منتجا واحدا من CAR-NKT يمكن أن يستخدم لعلاج عدة أنواع من السرطان، مما يفتح الباب أمام ثورة في الطب المناعي الشامل.
تقول البروفيسورة يانغ: "نحن لا نبتكر علاجا لسرطان واحد فقط، بل نؤسس لمنصة علاجية يمكنها مواجهة مجموعة من السرطانات المستعصية."
الاستعداد للخطوة الأخيرة: التجارب السريرية
بعد إتمام جميع الدراسات ما قبل السريرية بنجاح على سرطان الثدي وسرطان المبيض، يستعد الفريق لتقديم طلب رسمي إلى هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لبدء التجارب السريرية على البشر قريبا.
تقول البروفيسورة ليلي يانغ: "لقد قطعنا 99 خطوة للوصول إلى هذه المرحلة، ولا يفصلنا سوى خطوة واحدة عن تجربة العلاج على المرضى".
آفاق جديدة لعصر الطب المناعي الشامل
يمثل هذا التطور نقلة نوعية في مجال العلاج المناعي للخلايا السرطانية، حيث يجمع بين الفعالية العالية والتكلفة المنخفضة وسهولة الوصول، مما قد يغير مستقبل علاج السرطان عالميا.