لطالما اعتقد العلماء أن تدهور جودة البويضات هو السبب الرئيسي لانخفاض الخصوبة لدى النساء مع التقدم في العمر. فمع اقتراب المرأة من سن اليأس، يتناقص عدد البويضات وجودتها، مما يقلل من فرص الحمل شهريا.
لكن دراسة حديثة قلبت هذه الفكرة رأسا على عقب، إذ كشفت أن خلايا وأنسجة المبيض نفسها تلعب دورا أكبر مما كان يُعتقد سابقا في تراجع الخصوبة بحسب مانشر موقع The Conversation. هذا الاكتشاف قد يغير تماما فهمنا لآلية الشيخوخة التناسلية ويفتح الباب أمام طرق جديدة لحفظ الخصوبة وعلاج العقم.
صعوبات دراسة خصوبة النساء
يواجه الباحثون تحديات كبيرة في دراسة الخصوبة الأنثوية، نظرا لصعوبة الوصول إلى أنسجة المبيض البشرية، بالإضافة إلى نقص التمويل التاريخي في أبحاث صحة المرأة.
لذلك، غالبا ما يعتمد العلماء على حيوانات المختبر ذات التركيب البيولوجي القريب من الإنسان. إلا أن المشكلة تكمن في أن الإنسان من الأنواع القليلة جدا التي تمر بمرحلة انقطاع الطمث، إلى جانب بعض أنواع الحيتان مثل الأوركا والبلوجا.
فئران المختبر تقدم الحل
رغم اختلاف دورة الحياة بين الإنسان والحيوانات، إلا أن العديد من الكائنات تشترك في بنية مبيض مشابهة لتلك الموجودة لدى النساء، مما يجعلها مفيدة في الأبحاث.
لذلك، استخدم فريق البحث فئران المختبر كنموذج لدراسة الشيخوخة التناسلية.
قام العلماء بجمع عينات من أنسجة المبيض لفئران صغيرة وكبيرة في العمر، ومقارنتها بعينات مبايض من نساء في العشرينات والثلاثينات والخمسينات من العمر.
وباستخدام تقنيات التصوير ثلاثي الأبعاد وتحليل الجينات، أنشأ الباحثون خرائط دقيقة لأنواع الخلايا المختلفة ووظائفها عبر مراحل الحياة.
تشابه مذهل بين الإنسان والفأر
كشفت النتائج عن تشابهات واضحة في بنية المبايض بين الإنسان والفأر، خاصة في الخلايا المحيطة بالبويضات مثل خلايا الحبيبية (Granulosa)، التي تنتج الإستروجين وتغذي البويضة أثناء نموها.
كما وجد الباحثون أن الفئران تمتلك خلايا مشابهة تؤدي الوظيفة نفسها تقريبا.
لكن في المقابل، أظهرت خلايا الثيكا (Theca) — المسؤولة عن إنتاج التستوستيرون وتنشيط خلايا الحبيبية في الإنسان — اختلافا في طريقة عملها لدى الفئران.
الخلايا الدبقية: الرابط العصبي بالمبايض
أحد أهم الاكتشافات في الدراسة كان وجود خلايا داعمة عصبية تُعرف بالخلايا الدبقية (Glial Cells) داخل المبايض لدى كل من البشر والفئران.
تتطور هذه الخلايا في مراحل مبكرة من الحياة الجنينية وتلعب دورا في تحفيز المبيض لإنتاج البويضات.
وعندما قام الباحثون بالتلاعب الجيني في تطور هذه الخلايا لدى الفئران، لاحظوا أن المبايض بدأت تُظهر خصائص مشابهة لما يُعرف بـ متلازمة تكيس المبايض (PCOS)، حيث تتطور بويضات كثيرة في مراحلها الأولى لكنها تفشل في النضوج الكامل.
هذه النتائج تمنح الأمل في تطوير علاجات جديدة لمتلازمة تكيس المبايض والعقم باستخدام نماذج حيوانية آمنة.
كيف يشيخ المبيض؟
أظهرت الدراسة أيضا أن أنسجة المبيض البشري تصبح أكثر صلابة مع العمر، نتيجة تراكم الألياف بسبب عمليات الإباضة والإصلاح المتكررة عبر السنوات.
كما تتكوّن فجوات بين البويضات مع مرور الوقت، وهو ما قد يفسر سبب تقدم المبيض في العمر أسرع من باقي أعضاء الجسم.
ليس البويضات وحدها السبب
تشير هذه النتائج إلى أن تراجع الخصوبة بعد الثلاثين لا يرتبط فقط بجودة البويضات، بل أيضا بتغيرات خلوية ونسيجية في البيئة المحيطة بها داخل المبيض.
بعبارة أخرى، المشكلة ليست في البذور، بل في التربة التي تحتضنها.
آفاق مستقبلية للبحث والعلاج
تُعد هذه الدراسة خطوة كبيرة نحو فهم أعمق للشيخوخة التناسلية، وستساعد العلماء على تطوير نماذج حيوانية دقيقة لدراسة أمراض النساء مثل تكيس المبايض والعقم.
سيسمح ذلك بتسريع تطوير أدوية مبتكرة لعلاج هذه الحالات، وتحسين تشخيص اضطرابات الخصوبة التي كانت مهملة منذ عقود في البحث العلمي.
تؤكد هذه الدراسة أن المبيض ليس مجرد مخزن للبويضات، بل منظومة حيوية متكاملة تتغير مع مرور الزمن وتؤثر بشكل مباشر على خصوبة المرأة.
وفهم هذه المنظومة سيساعد في تصميم طرق جديدة لحماية الخصوبة وتحسين صحة المرأة الإنجابية عبر جميع مراحل العمر.