أعلن علماء من معهد الطب التجديدي بجامعة سيتشينوف الروسية بالتعاون مع شركة الاتصالات «فيمبلكوم» وعدد من المراكز البحثية، عن تطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على تحليل أنسجة الكلى بدقة فائقة لتحديد مدى خباثة الأورام، متفوقا في الأداء على أطباء علم الأمراض التقليديين.
كيف يعمل الذكاء الاصطناعي الجديد؟
يقوم النظام بتحليل الصور الرقمية لعَيِّنات الأورام الكلوية، ويقوم بتحديد الخلايا التي تحتوي على نوى ظاهرة بوضوح (نُويّات) — وهي سمة مورفولوجية تُعد مؤشرا مباشرا على عدوانية الورم.
حتى اليوم، كان الأطباء يعتمدون على تقدير بصري يدوي وفق تصنيف منظمة الصحة العالمية (WHO/ISUP) لتحديد درجة خباثة الورم، وهي طريقة تخضع لتقديرات شخصية وتفاوت بين الخبراء. أما الخوارزمية الجديدة، فتوفر تقييماً كمّياً دقيقاً وموضوعياً، مما يقلل الأخطاء البشرية بشكل كبير.
تدريب الذكاء الاصطناعي
تم تدريب النموذج على بيانات لأكثر من 200 ألف خلية من صور مجهرية عالية الدقة.
وبعد تحليل 50 ألف خلية من 144 عينة ورمية، اكتشف العلماء أن زيادة نسبة الخلايا التي تحتوي على نُويّات واضحة إلى أكثر من 11٪ تشير إلى تدهور سريع في الحالة وتراجع حاد في فرص البقاء على قيد الحياة — بمتوسط 2.2 عام فقط.
أما المرضى الذين تقل لديهم هذه النسبة، فقد تجاوزت فترة البقاء لديهم ست سنوات، حتى عند تشخيصهم بنفس الدرجة المرضية الرسمية.
أربعة أنماط مورفولوجية جديدة للورم
استنادا إلى التحليل الدقيق، تمكن الباحثون من تحديد أربعة أنماط مورفولوجية أساسية لأورام الكلى ، لكل منها دلالات مختلفة على مستوى الخطورة والتطور السريري:
1. النمط النُويّاتي (Nucleolar type): يحتوي على نسبة مرتفعة من الخلايا العدوانية، ويُعد الأخطر من حيث التقدم السريع للمرض.
2. النمط الحَثولي (Dystrophic type): يتّسم بندرة الخلايا ووجود مناطق نخر واسعة داخل الورم، ما يشير إلى توقعات سلبية للغاية.
3. النمط أحادي الشكل (Monomorphic type): يُعد الأكثر استقرارا والأفضل من حيث النتائج العلاجية.
4. النمط المختلط: يجمع بين سمات متوسطة الخطورة.
اللافت أن هذه الأنماط لا تتطابق تماما مع التصنيفات الرسمية الحالية، وهو ما يفسر الاختلافات الكبيرة في نتائج المرضى رغم تشخيصهم بنفس الدرجة المرضية.
نحو تصنيف عالمي جديد للسرطان
اقترح الباحثون إضافة معيارين جديدين إلى التصنيف الدولي المستقبلي لسرطان الكلى:
نسبة الخلايا ذات النُويّات الواضحة كعامل حاسم في تقدير العدوانية.
وجود تغيرات حثولية (دستروفية) أو نخرية في النسيج كمؤشر سلبي قوي.
وصرّح الدكتور أليكسي فايزولين، رئيس مختبر التحليل المجهري الرقمي في جامعة سيتشينوف، قائلاً:
"بدلا من تقييمات غامضة مثل ‘قليل’ أو ‘كثير’ من النُويّات، أصبح بإمكان الطبيب اليوم الحصول على رقم دقيق — مثل 15٪ — يعبّر عن درجة الخباثة الحقيقية، هذه القيم الكمية الموضوعية ستُحدث تحولا جذريا في الطب التنبؤي والعلاجات المخصصة."
جاهزية للاستخدام السريري
النظام الجديد تم دمجه فعليا في برامج التحليل الرقمي لشرائح الأنسجة، ونجح في الاختبارات التجريبية داخل أقسام علم الأمراض، وهو الآن جاهز للاستخدام في الممارسة الطبية اليومية.
يمثل هذا الابتكار خطوة كبيرة نحو تشخيص أسرع وأكثر دقة لسرطان الكلى، ويُعد مثالا واضحا على كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيد رسم حدود الطب الحديث ويمنح الأطباء أدوات أكثر موثوقية لاتخاذ قرارات إنقاذ حياة المرضى.