الفاشر … آخر فصول الخديعة في السودان
مقالات
الفاشر … آخر فصول الخديعة في السودان
وائل المولى
5 تشرين الثاني 2025 , 05:12 ص

ما يحدث في الفاشر اليوم ليس مجرّد معركة عسكرية أو صراع على النفوذ، بل مأساة إنسانية عميقة تمسّ روح السودان وتكشف إلى أي مدى انهكته الحروب وتنازع المصالح.

المدينة التي كانت يوماً قلب دارفور النابض، صارت اليوم مسرحاً لواحدة من أبشع صور الانهيار الوطني والإنساني، حيث تُباد الحياة، وتُهجَّر العائلات، وتتحوّل المدارس والمستشفيات إلى ركام.

لم تبدأ مأساة الفاشر اليوم، بل جذورها تمتد إلى عقودٍ من سوء الحكم وتسييس الدين وتغليب الولاءات الضيقة على فكرة الوطن.

حين حوّل نظام البشير الدين إلى أداة سلطة، وفتح الباب أمام الميليشيات لتكون بديلاً عن الدولة، بدأ العدّ التنازلي لتمزق السودان.

ومن الإنقسام بين جناح البشير والصادق المهدي، والعقوبات على السودان رضخ البشير لتسويات الخارج التي مزّقت ما تبقّى من النسيج الوطني، تقسم السودان شمالاَ وجنوباَ وفتح صراع جديد في الشمال عنوانه دارفور وهي الأرض التي بها الثروات والتي تدفع الثمن الأكبر.

سقوط النظام لم ينهِ المأساة، بل أعاد إنتاجها بأشكالٍ جديدة.

لانعلم بالضبط كيف تحوّل الجيش إلى مؤسسة مثقلة بالتنافس الداخلي، فيما وُلدت قوات الدعم السريع من رحم الجنجويد، تحمل معها كل إرث العنف والانقسام.

وبين الطرفين، يقف الشعب السوداني بلا حماية، ضحية صراعٍ على من يرث البلاد وينقذها ويأخذها لبر الآمان . 

الهجوم على الفاشر لم يكن مفاجئاً لمن يقرأ المسار العام؛ فهو جزء من خطة طويلة لإعادة رسم خريطة دارفور سياسياً واقتصادياً، تمهيداً لمرحلة جديدة تُفرض فيها “الحماية الدولية” تحت لافتة “الإنقاذ الإنساني”.

لكن خلف هذه الشعارات تختبئ مصالح كبرى، تريد موطئ قدمٍ في قلب القارة الإفريقية وثرواتها من الذهب والنفط والمعادن النادرة.

دارفور اليوم ليست فقط جغرافيا منكوبة، بل شاهدٌ على عجز الضمير العالمي.

فبينما تُرتكب المجازر وتُحاصر المدن، لا يملك المجتمع الدولي سوى بيانات الشجب، في انتظار اللحظة التي يُعلن فيها “التدخل الإنساني” بغطاءٍ أممي جميل، فيما جوهره وصاية جديدة.

ومع كل ذلك، يبقى في السودان ما يستحق الحياة إرادة الناس العاديين الذين ما زالوا يتمسكون بالأمل رغم الدمار، والذين يرون في الفاشر ليس مدينة محاصرة فحسب، بل رمزاً لكرامة وطنٍ يريد أن ينهض من تحت الركام.

المصدر: موقع اضاءات الإخباري