عبد الحميد كناكري خوجة: الجملة الاسمية... والجملة الفعلية.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: الجملة الاسمية... والجملة الفعلية.
عبد الحميد كناكري خوجة|كاتب من سورية
13 تشرين الثاني 2025 , 16:39 م


فلسفة موقف الجمهورية الاسلامية الإيرانية في مواجهة الزيف الممنهج والضمير المزيف.

في معجم المواقف، هناك أمم تعبر بالجمل الفعلية، وأخرى تختبئ وراء الجمل الاسمية. فالأولى تصنع التاريخ بالعمل لا بالقول، والثانية تحذر شعوبها بالبيانات والخطابات الخاوية. وهناك تتجلى مواقف طهران كجملة فعلية نابضة بالحياة، إذ لم تكن منذ فجر ثورتها المجيدة مجرد شعارات عاطفية أو زينة إعلامية، بل عقيدة موقف وتضحية معا، أثبت صدقها في الدفاع عن ”القرآن الكريم" كتاب العالمين, وعن المظلومين والمستضعفين في صفنا الإسلامي حيث كانت المعركة بين الحق والباطل. في المقابل، هناك من غرق بين الإسمنت والزجاح، وأقام لنفسه عروشا من وهم، فلا يسمع إلا صدى نفسه، ولايرى من الدين إلا الديكور، يجمل النفاق.

لقد خطت طهران شعبا عظيما وحكومة رشيدة منذ بزوغ فجر ثورتها على عروش العمالة والإنبطاح والإستكبار مواقف بالفعل لا بالقول عالية الفلسفة والحكمة والسداد.

كانت صلاتها الدائمة بالحق، لا بالمنفعة، ووضعت بوصلة السياسة في اتجاه الضمير. وهاهي اليوم تقف شامخة إلى جانب كل من يحمل في عروقه دم الكرامة، في أرض الإسراء والمعراج والجنوبين الشقيقين تأييدا لتحررهما وخلاصهما من دنس المغتصب المحتل وتحول الصبر إلى بطولة، والجرح إلى نشيد، أولئك هم الفعل المتحرك في زمن الخنوع والجمود. لايبيعون القضايا بالمؤتمرات ولا يجملون الهزيمة بالبيانات، فكما قال أحد الحكماء: ” العمل الصادق ضوء لا يحتاج إلى مكبر ليرى.

أما الجملة الاسمية المنافقة، فهي تلك التي تخدر الجماهير بعبارات التنديد وحفظ ماء الوجه، دون أن تقدم شيئا سوى الوهم وهل أتاك حديث حاكم دولة حدودية لبلد الأبجدية الأولى بتباهى بقراءة وتجويد القرآن ويتشدق بالإسلام ومن خلف الكواليس يمرر صفقات الأغذية والرصاص لقوات المغتصب لفلسطين وحجم تبادلاته التجارية مع حكومة هذا الكيان المارق تبلغ المليارات من الدولارات سنويا. أولئك هم حكام المظاهر، وهل أتاك حديث أصحاب الأبراج الشاهقة الزجاجية التي تخفي فراغا روحيا وهشاشة أخلاقية. كل مايملكونه عناوين كبيرة وصدى أجوف يتحدثون عن الورع والإيمان وهم أول من هجره، وعن الوحدة وهم أول من فرقها، وعن القدس وهم أول من نسيها.

وعلى الضفة الأخرى من العالم، تقف كاراكاس عاصمة فنزويلا الصامدة_ بلد الذهب الأسود والكرامة الاتينية تواجه بأسلوبها الخاص الطغيان الإقتصادي و العقوبات الممنهجة، وتدفع ضريبة تمردها على سلطات الهيمنة. هناك كما في الشرق يتكرر المشهد ذاته: أمة تحاصر لأنها قالت ”لا" لهيمنة تخفي أطماعها خلف خطاب منمق عن" الحرية وحقوق الإنسان ". وما درت أن الحرية لا تقاس بالدولار، بل بالموقف.

ليست دعوة مقالي هذا برنامجا سياسيا، بل صرخة وعي في وجه الزيف الثقافي والإزدواج الأخلاقي. فالجملة الفعلية اليوم هي التي تبني عالما متعدد الأقطاب، قوامه العدالة والسلام، لا الاستعلاء الآحادي الذي أراد أن يجعل من الأرض مزرعة لنخبة الشر ومحرقة للبشر.

إن الوحدة المسيحية_الإسلامية ليست أمنية طوباوية، بل ضرورة وجودية لحماية الإنسان من التفكك الأخلاقي ومشاريع الإنحلال التي تسوقها بعض السياسات الغربية تحت شعارات زائفة. فالهجمة على القيم الأسرية ليست سوى قناع جديد للإستعمار الناعم. يبتغي تفكيك المجتمعات المحافظة ونزع حيائها الأصيل.

ومن هنا أعيد التذكير بأن الأمم لا تقاس بما تفعل ولا بما تقول؛ فمن جعل من فعله صلاة على طريق الحرية نجا, ومن جعل من إسمه وسيلة دعاية زالت سيرته كما يزول السراب. فيا من تصنعون التاريخ بالأفعال، سيروا على نهج الجملة الفعلية التي لاتعرف الخداع، وكونوا كما قال الشاعر:

”وإذا كانت النفوس كبارا...تعبت في مرادها الأجسام". وكمسك للختام، تبقى إيران الفعلية عنوان موقف، والمنافقون الإسميون سيظلوا بلا جوهر. وبين الفعل والقول، يقف الضمير شاهد على من صدق فاعمل، و على من ادعى فذبل، فلتكن أفعالنا مرآة قيمنا، ومواقفنا نبراسا لضمائرنا، ولنسطر تاريخنا بالصدق والشجاعة وليبقى الحق منارة، والصبر جسرا، ولتعلو إرادة الإستقامة فوق طغيان الغزاة العصاة، ولتزدهر مجتمعاتنا وليعلو صوت أنسانيتنا الحرة.

مفكر كاتب حر, فنان وطني شامل وإعلامي سوري سابق في الغربة.