لبنان بين استقلال الأمس وأسرِ الحاضر … وطنٌ يحتفل بذكراه فيما حدوده تُقصف ودولته تُضغط
مقالات
لبنان بين استقلال الأمس وأسرِ الحاضر … وطنٌ يحتفل بذكراه فيما حدوده تُقصف ودولته تُضغط
داني القاسم
22 تشرين الثاني 2025 , 09:28 ص

في كل عام، يعود 22 تشرين الثاني ليذكّر اللبنانيين بأنّ هناك يوماً ما، في هذا البلد الصغير، انتزع رجالٌ استقلاله من يد الانتداب الفرنسي وأعلنوا قيام دولةٍ سيّدة حرّة.

لكنّ المفارقة المؤلمة أنّ تلك السيادة التي كُتبت بالحبر والدم قبل أكثر من ثمانية عقود، ما زالت حتى اليوم معلّقة بين حربٍ مفتوحة وواقع سياسي لا يقلّ تعقيداً.

من الجنوب، إسرائيل تواصل اعتداءاتها اليومية، مستهدفة مناطق حدودية تحت مرأى المجتمع الدولي وصمته. طائراتٌ تحلّق، قذائف تتساقط، وخروقٌ لا تهدأ … كأنّ البلاد تعيش في هدنة هشّة تُكسر حين تشاء تل أبيب، بلا رادع ولا محاسبة.

وفي موازاة النيران، تتكثّف الضغوط الأميركية على الدولة اللبنانية التي تجد نفسها أمام مطلب واضح: ضبط سلاح حزب الله أو نزعه. مطلبٌ يبدو بسيطًا على الورق، لكنه في معادلة الداخل والخارج يتحوّل إلى كرة نار، يتشحّط بين حسابات الردع تجاه إسرائيل وبين ضعف الدولة وانقسام اللبنانيين حول معنى «السيادة».

السيادة … الكلمة التي تتردّد كثيرا في الخطابات الرسمية، وتغيب أكثر في الواقع اليومي. فكيف يمكن لدولة تُقصف أراضيها، ويُفرض عليها مسار سياسي من الخارج، وتعيش في فراغٍ رئاسي واقتصادي وأمني، أن تحتفل بالاستقلال وكأنه حقيقة ثابتة؟

لبنان اليوم يقف في منطقة رمادية: لا هو مستقلّ بالكامل، ولا هو تحت وصاية معلنة … بل يعيش في مساحة متقلّبة تُحدّدها موازين القوى، وتشابك الملفات الإقليمية، وحسابات اللاعبين الدوليين.

وهنا يعود السؤال الذي يتجنّبه السياسيون ويهمس به الناس بصوتٍ منخفض: هل ما زال لبنان فعلاً دولة مستقلّة… أم أنّ استقلاله أصبح مجرّد ذكرى جميلة تُرفع في المناسبات؟