تنتشر في البيئة المحيطة بنا كميات كبيرة من السموم والمواد الكيميائية الضارة التي تؤثر سلبا في صحة الإنسان. وفي ظل هذا التحدي المتزايد، اقترح العلماء حلاً بسيطا وفعّالا يتمثل في استخدام مستحضرات تعتمد على الطين الطبيعي، ليعمل كمادة ماصّة (Sorptive Agent) تقلل من امتصاص هذه السموم داخل الجسم.
الطين كماص طبيعي للسموم
طور فريق بحثي بقيادة الدكتور تيموثي فيليبس من جامعة تكساس A&M أقراصًا طبية مصنوعة من الطين، صُممت خصيصا لربط السموم داخل الجهاز الهضمي ومن ثم إخراجها خارج الجسم قبل أن تُسبب أضرارا صحية.
وأوضح الباحثون أن هذا الحل يُعد واعدا بشكل خاص في مواجهة الميكروبلاستيك وما يُعرف بـ"المواد الكيميائية الدائمة"، وهي مركبات لا تتحلل بسهولة وتبقى في البيئة وأجسام الكائنات الحية لفترات طويلة.
استخدامات الطين عبر التاريخ
استخدم الإنسان الطين منذ العصور القديمة في مجالات الطب التقليدي والتجميل، وانطلاقا من هذه الخلفية، قرر العلماء دراسة قدرة الطين على مواجهة السموم التي تنتجها الفطريات الموجودة في الحبوب المتعفنة.
وتُعد الأفلاتوكسينات من أخطر هذه السموم، إذ يمكن أن تسبب، عند التعرض لجرعات مرتفعة منها:
نزيفا في الجهاز الهضمي
تشحم الكبد
تلف الخلايا وقد يصل الأمر إلى الوفاة
نتائج مشجعة على أرض الواقع
توصل الباحثون إلى أن نوعا محددا من الطين يمتلك قدرة عالية على ربط هذه السموم ومنع امتصاصها داخل الجسم، ثم يخرج مصاحبا لها دون آثار جانبية خطيرة.
وقد جرى اختبار هذه المستحضرات في بعض المجتمعات الإفريقية التي تعاني من استهلاك حبوب منخفضة الجودة، وأظهرت النتائج نجاحا ملحوظا، بل ويمكن إضافة هذه المواد مباشرة إلى الطعام لتقليل خطر التسمم.
الطين في مواجهة “الكيميائيات الأبدية”
لم يتوقف الباحثون عند هذا الحد، بل واصلوا تطوير منتجات طينية لمكافحة المواد الكيميائية الدائمة (PFAS). وأسفر ذلك عن:
مستحضر يؤخذ عن طريق الفم يمنع امتصاص المواد الكيميائية في الأمعاء
كريم واقٍ للبشرة يحول دون تسرب المواد السامة عبر الجلد
ويُتوقع أن تكون هذه المنتجات ذات أهمية خاصة لرجال الإنقاذ والعاملين في خدمات الطوارئ المعرضين لمخاطر كيميائية عالية.
النباتات ودورها في تنقية الهواء
في سياق البحث عن مواد طبيعية ماصّة للملوثات، لاحظ العلماء أن الطبقة الشمعية على أوراق النباتات، المعروفة باسم الكيوتكل (Cuticle)، تقوم بربط المواد الكيميائية الضارة الموجودة في الهواء.
ويؤكد هذا الاكتشاف أن النباتات:
لا تقتصر وظيفتها على إنتاج الأكسجين
بل تساهم أيضا في تنقية الهواء من الملوثات.
تقنيات مستقبلية لتنقية الهواء والتربة
يعمل الباحثون حاليا على تطوير:
مرشحات منزلية تعتمد على الكلوروفيل لامتصاص مادة البنزين المسرطنة الموجودة في أبخرة الوقود ودخان السجائر
قائمة نباتات قادرة على امتصاص المركبات العضوية المتطايرة بكفاءة عالية لاستخدامها في تخضير المدن
اختبارات إضافية على قدرة الطين على تثبيت المواد الكيميائية في التربة ومنع تسربها إلى البيئة
تكشف هذه الأبحاث أن الطين، وهو مادة طبيعية بسيطة ومتوفرة، قد يكون أحد الحلول المستقبلية الفعالة لمواجهة السموم البيئية، سواء داخل جسم الإنسان أو في الهواء والتربة. ويؤكد ذلك أن الحلول المستدامة غالبا ما تكون أقرب إلينا مما نتوقع.