الأوروبيون يعرقلون السلام اليوم وسيحاربون عام 2030
مقالات
الأوروبيون يعرقلون السلام اليوم وسيحاربون عام 2030
م.ميشيل كلاغاصي
20 كانون الأول 2025 , 13:46 م


م. ميشال كلاغاصي – 20/12/2025

منذ اللحظات الأولى لإنطلاقة العملية الروسية العسكرية الخاصة، سارعت دول الإتحاد الأوروبي لإعلان دعمها لقوات كييف، ولم تتحسس الفخ الذي وقعت فيه، وسط مشاعر مختلطة لإفراغ أحقادها التاريخية وكراهيتها لروسيا، وتملّكها الشعور بقدرة إنتصارها على روسيا بالوكالة، ووجدت نفسها مجبرة على السير في الطريق التي رسمتها الولايات المتحدة، وبدأت تنصاع لإملاءاتها، وبتطبيق حزم العقوبات المتتالية على روسيا، وبالتوقف الفوري عن شراء الغاز الطبيعي الروسي والإستعاضة عنه بالغاز الأمريكي المسال بأسعاره المضاعفة لأربعة أمثال، والإنخراط المباشر بتمويل وتسليح قوات كييف على حساب خزائنها وأموال شعوبها ودافعي الضرائب في دولها.

واستطاعت واشنطن توجيه ضربةٍ قوية للإقتصاد الأوروبي، وبنقل الثروات والأموال الأوروبية إلى الولايات المتحدة، دون أن تتغير خرائط نفوذها وهيمنتها على القارة الأوربية، وثبات تبعية وسياسة القطيع الأوروبي "للسيد" الأمريكي.

لكن سرعان ما اكتشفت أوروبا نفسها محاطة ومنشغلة بالتضخم والبطالة وبإرتفاع الأسعار، وبغضب شعوبها، نتيجة مشاركتها في حروبٍ لا تعنيها، وتسببت بضربات كارثية للإقتصاديات الأوروبية، فيما تواصل روسيا تقدمها على الأرض، وسط انتعاش عملتها ومكاسبها الجيوسياسية، واستعادة مكانتها الدولية.

ودفعت الإدارة الأمريكية موضوع التفاوض مع روسيا، لمنع أوروبا من التحرك خارج الإطار الذي رسمته لها، وسط كثافة الاّراء والمقترحات الأوروبية الخائبة، فمنهم من طالب بإنسحاب روسيا من الأراضي الأوكرانية قبل بدء التفاوض، ومنهم من فكر بتقديم التنازلات المتبادلة، والإعتراف بضم المناطق الأربعة التي اختارت الإنضمام إلى روسيا بعد الاستفتاءات التي نظمتها موسكو، وهناك من رفض ذلك وطالب بعودة شبه جزيرة القرم أيضاً، ومن قبل مبدأ التفاوض بعيداً عن التنازلات.. واعتقد الأوروبيون أنهم قادرون على التفاوض مع روسيا تحت النار ومن موقع القوة، وبضرورة مواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا "، وبقي شغلهم الشاغل منع روسيا من الإنتصار.

وشيئاً فشيئاً انخرطت أوروبا بالحرب على روسيا، دون خوض الصراع المباشر معها، وبات الإتحاد الأوروبي بقرارته وقممه يخوض المعركة بكافة جوانبها السياسية والعسكرية والإقتصادية، على الرغم من عدم تحقيقه أيا إنتصار لدوله وشعوبه منذ تأسيسه، وبات يكتفي بمراقبة هزائمه اليومية في أوكرانيا، وبتصاعد الأزمات الاقتصادية والإجتماعية داخل عواصمه، فتعثرت خطاهم وباتوا يفكرون بشراء الوقت وبعرقلة مساعي التفاوض مع روسيا، وبالإلتفاف على خطة ترامب للسلام، وبدعم مقترحات زيلينسكي، وبالحصول على مكاسب سياسية وإقتصادية ومالية واستغلال الأصول الروسية المجمدة في بلجيكا.

وباتت المصالح الشخصية للنخب وقادة الإتحاد الأوروبي تُطرح على أنها تمثل المصالح الأوروبية، بما ضاعف الخلافات البينية، وأنتج أفكاراً تتجاوز أنانية كل دولة على حدة، وتصل حد الجنون الجماعي، وبالتفكير بمواجهة روسيا بشكلٍ مباشر، وبات شبح الحرب "الحتمية" لتدمير وسحق روسيا والتخلص من بوتين هاجساً وهدفاً وأجندة، وتم اقتراح تاريخ لإندلاعها بحلول عام 2030، وأصبحت حاجتهم لشراء الوقت استراتيجية حاسمة، وفرصة للحصول على أسلحة نووية تكتيكية، تدعم أفكارهم المشوشة لشن "حرب نووية محدودة".

وبدأت التصريحات الأوروبية تنسج تبريراتها، وأكد الرئيس التشيكي أن "انتصار روسيا في أوكرانيا سيمثل هزيمة استراتيجية للعالم المتحضر بأسره"، وبدأت معها الإشارات المباشرة لإعتبار روسيا "عدواً رئيسياً" للأوروبيين، كذلك بدأت عسكرة الحياة العامة في دول الإتحاد، وتعزيز قدرات جيوشه، وإعادة طرح التجنيد الإجباري، وتخزين الأسلحة والذخائر، وإقامة الملاجئ، وإلى كل ما يندرج في إطار التصعيد التدريجي، الأمر الذي دفع بوتين للقول: "لا ننوي مهاجمة دول الاتحاد الأوروبي، لكننا على استعداد للرد على أي عدوان".

لا يمكن تصور الحملات الإعلامية الأوروبية التي تروج لسيناريوهات النزاع النووي مع روسيا، وضرباتٍ روسيةٍ "استباقية" بأسلحة نووية تكتيكية، لإخضاع أوروبا واستسلامها، في وقتٍ أعلنت فيه واشنطن أنها "لا تنوي التورط في صراعٍ عسكري تعتزم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا إشعاله"، في وقتٍ لا تمتلك فيه فرنسا وبريطانيا أسلحة نووية تكتيكية للرد المتكافئ، نتيجة ضخامة وقوة الأسلحة الصاروخية الروسية، الأمر الذي دفع القادة الأوروبيين إلى تأجيل المواجهة المباشرة إلى عامي 2028-2030.

ويأمل الأوروبيون أن يتمكنوا لحينها من الإتفاق على برنامج ردعٍ نووي موحد، والحصول على أسلحة نووية تكتيكية، لردع روسيا وتحفيز واشنطن على منع تدمير الجناح الأوروبي لحلف الناتو، ويغيب عن أذهانهم إتفاقات بوتين وترامب في اّلاسكا، والتي ركزت على إنهاء الحرب الأوكرانية، واقتراحات ترامب بوقف إطلاق النار وإبرام "صفقة" لإنهاء الصراع، ومواصلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، تلك الإتفاقات التي أكد بوتين مراراً إلتزام بلاده "الراسخ" بها.

من الواضح أن الإتحاد الأوروبي يسعى لعرقلة الحل وخطة ترامب للسلام، على الرغم من موافقة زيلينسكي على بعض بنودها كتخلي بلاده عن عضويتها في الناتو مقابل ضمانات أمريكية، لكن الهمس الأوروبي في أذنيه لم يتوقف، كاٌقتراح أن يكون عديد الجيش الأوكراني 800 ألف مضافاً إليهم المتطوعين من "تحالف الراغبين"، بما يعني إنشاء قواعد عسكرية غير رسمية على حدود روسيا، واقتراح معاملة أوكرانيا كدولة عضو في الناتو على غرار المادة الخامسة في معاهدة الناتو، الأمر الذي رفضه ترامب، وأعلن إنسحاب بلاده من تمويل كييف ومن المواجهة برمتها، وترك الأوروبيون يواجهون نواياهم ومصائرهم ونتائج الميدان.

ناهيك عن مقترح تشكيل "قوةٍ متعددة الجنسيات في أوكرانيا" لضمان الاتفاق، والتي تبدو في حقيقتها خطةً جديدة لعرقلة المفاوضات، والتي تعتبر احتلالاً أوروبياً لأوكرانيا بدعمٍ أمريكي، الأمر الذي لن تقبل به واشنطن، وكذلك موسكو التي أعلنت مراراً على لسان بوتين ووزير خارجيته "رفضها لوجود قواتٍ أجنبية على الأراضي الأوكرانية تحت أي مسمى".

بالإضافة إلى إصرار الأوربيين على سرقة الأموال والأصول الروسية المجمدة في بروكسل وتقديمها إلى أوكرانيا، وسط معارضة بلجيكا وعدم قبولها بمفردها بكهذا انتهاك للقانون الدولي، ودعت دول الإتحاد في قمة بروكسل في يومها الأول 18/12/2025، للتخلي عن الفكرة أو بتقاسم المسؤولية الكاملة في حال إقدام روسيا على رفع دعوى قضائية لإسترداد الأموال، وسط إنقسام أعضاء القمة بين مؤيدين ومعارضين للفكرة، الأمر الذي دفع رئيسة المفوضية للإنتقال إلى فكرة تقديم قرضٍ أوروبي بقيمة 90 مليار يورو تدفعه كييف بعد حصولها على أموال التعويضات الروسية، ووفقاً لهذا المقترح يبقى القرض على حساب خزائن الدول الأوروبية وأموال شعوبها. وبات عليهم ابتداع أساليب جديدة لسرقة الأموال الروسية.

في الوقت الذي علق فيه الرئيس بوتين على إصرار الدول الأوروبية على مواجهة روسيا وتدميرها بأنهم: "يسعون للإستفادة من إنهيار روسيا، والثأر التاريخي لخسائرهم في الماضي"، ووصف خطط الاستيلاء على الأصول الروسية بأنها "سرقة صريحة علنية بالقوة"، مؤكداً عدم قدرة الإتحاد الأوروبي عل تنفيذها لأنهم يدركون عواقبها الوخيمة".

من الواضح أن المقترحات والعراقيل الأوروبية لن تكون قادرة على حجز مقعدهم على طاولة المفاوضات كما يشتهي ماكرون، وسيبقى شغلهم الشاغل منع حل الأزمة، واستمرار أمد الصراع العسكري لحين حلول عام 2030".

م. ميشال كلاغاصي – 20/12/2025