”من القصف إلى التهجير الناعم: حين يصبح الاحتيال أداة حلال، حين تدار الحروب بلا دخان، ويتحول القصف إلى خديعة، والتهجير إلى حل مزيف يقتلع به الإنسان من أرضه".
مقدمة: لا أكتب من برج عاجي، ولا من رفاه المراقبة البعيدة، بل من خندق الكلمة التي تعلمت أن تكون مسؤولة قبل أن تكون صاخبة، ومن قناعة راسخة بأن الصمت شراكة، وأن كشف الخديعة واجب أخلاقي حين يراد للفساد أن يقدم في ثوب ”الحلول". من هنا يستمر تدفق سطوري, وهطول كلماتي، لا تزكية للنفس، بل وفاء لمعنى الكلمة الحرة التي لا تشترى.
في القطاع الصامد، لم يعد العدوان مقتصرا على القصف والتدمير وفرض الحصار وسياسة التجويع والترويع، ولا على استخدام اسلحة محرمة دوليا حصدت الأرواح وكسرت العمران، بل تطور إلى ”تهجير ناعم" اكثر خبثا: شركات تسفير تزرع كالفخاخ، تغري الشباب، ولاسيما الغزي، بوعود جنسيات وتسفير وخدمة ضمن دول أخرى. والغاية واحدة: إفراغ الأرض من أصحابها الشرعيين. فحين يصمد الشعب، يستهدف الوعي، وحين تفشل النار، يستدعى الإحتيال.
هذا الأسلوب ليس معزولا، بل جزء من مشروع أوسع لإعادة هندسة الجغرافيا والديموغرافيا في إطار ”شرق أوسط جديد", توسع فيه الحقيقة على حساب الحقوق، وتمد فيه الأطماع نحو فلسطين، ثم ماحولها. وقد رأينا بأعيننا كيف تمدد النفوذ في الجولان العربي السوري الأبي ومحيطه، ومنذ تنحي النظام السوري السابق ومغادرته لقصر الروضة. وكيف تتراكم الوقائع بصمت بعض أصحاب القرار لبلدان الأبراج المضيئة والكراسي المرصعة. كصمت أصحاب الأجداث واللحود والقبور. لايقطعه سوى بعض تنديدات واستنكارات للاستهلاك الإعلامي.
ولم يقتصر الأمر على الأرض، بل طال البنى التحتية للمؤسسة العسكرية السورية عبر ضربات مكثفة ومتكررة من قبل قوات العدو الصهيوني الحاقد. وكذلك الأمر نسبة للجنوب اللبناني الشامخ كشموخ الجبال والقلاع الفولاذية. وعلى ضغوط تستهدف تجريد مقاومته الوطنية الأخلاقية الشرعية من حسامها. المقاومة الوجدانية القانونية التي أثبتت أنها درع الكرامة ووحدة التراب، وقدمت شهداء أبرار من خيرة شبابها سال دمهم الطاهر ليروي تراب لبنان ويدرء ويمنع الأذى عن شعبه الشقيق، شعب التمدن والجمال والتحضر بكافة مكوناته وطوائفه الكريمة وملله ونحله. لقد قدمت المقاومة الوطنية اللبنانية قوافل من شهداء أبناء الجنوب الأبي دفاعا عن أرزة لبنانا الغالي على قلوبنا نحن أبناء سوريا.
وفي موازة كل ذلك، يخاض عدوان آخر أقل ضجيجا وأعمق اثرا وأشد فتكا. تفكيك المنظومة القيمية، عبر الترويج المنظم لثقافات تقشعر منها الأبدان وتشمئز منها الأنفس وتتسبب بغضب وسخط رب السماوات والأرض. ثقافة الترويج للمثلية والشواذ المنظم بأصابع وببصمات تل أبيب والجلساء على كراسيها. الثقافات المقززة والمقرفة والتي تتضارب والفطرة البشرية وتعتبر منبوذة من كافة الكتب السماوية.
حيث نسلط حزمة الأضواء على المهرجان السنوي للشواذ والمثلية والنشاذ الذي تجرى أحداثه في تل أبيب بمباركة حكومية من السلطة المحتلة الحاكمة والذي يأوي إليه سواد أعظم من شواذ ونشاذ ومثليي العالم وبكل وقاحة. فهنا رسالتي للراكضين خلف قطار الذل والإنبطاح هل ترضون لابنائكم وأجيالكم ذلك ؟!
ولا ننسى أيضا كيف تمتد أصابع القذارة إلى عالم البراءة عالم الطفولة لتضرب هذه اليد الشيطانية وتدمر الأخلاق وتشجع سياسة التمييع والإنحلال والذي لايرضاه كل من يزعم ويدعي الورع والتدين.
فالسؤال هنا لا يكون أخلاقيا فحسب، بل حضاريا: أي مستقبل يراد لأجيالنا؟!
كذلك النداء موجه اليوم إلى شعب بلد الأبجدية الأولى العظيم، كي يلم الجرح ويتحد ويتماسك ويدرك حجم ما يحاك ضده وإلى من يتربع على كراسي المسؤولية هناك وإلى كل عاقل أن يدرك أن لا أمان مع مشاريع الهيمنة، وأن العدو واحد مهما تعددت الأقنعة. فالمطلوب هو توحيد الصفوف ونبذ الخلافات والأحقاد إن وجدت وتوجيه البوصلة إلى الجنوب السوري وما يصيب ترابه من دنس أقدام المحتل الغاصب. والذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من دمشق. فالوحدة وكما قال الحكماء، ” قوة إذا اجتمعت، وهشاشة إذا تفرقت".
فجنوبكم أصبح مغتصب يا شعب الشهامة والكرامة والنخوة والمروءة والأصالة والشرف.
وتحية تقدير لكل دولة ولكل شعب وقفوا ضد هذا المشروع الطاغوتي ، وفي مقدمتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي حذر مرشدها الأعلى وقائد ثورتها المظفرة سماحة السيد علي خامنئي ”د" من جميع تلك المخاطر والمخططات التي تنسج وتحاك للأمة العربية والإسلامية وحتى المسيحية الشقيقة. ونادى ولازال ينادي برص وتوحيد الصفوف والوقوف في صف إحلال الحق. (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة).
مفكر كاتب حر، إعلامي سابق في الغربة.