ما جرى في الساحل السوري وحمص وحماة ليس حادثا أمنيا، ولا انفجار غضب عابر، بل نتيجة منطقية لمسار طويل من إدارة الانقسام بدل معالجته، نحن أمام لحظة مكشوفة، لم يعد فيها ممكنًا إخفاء حجم التصدّع الذي يضرب المجتمع السوري، ولا الاستمرار في التعامل معه كأضرار جانبية يمكن احتواؤها بالقوة أو التجاهل.
البلد الذي خرج من أربعة عشر عاما من الصراع لا يحتمل مزيدا من التجريب السياسي ولا مزيدًا من الخطابات الخشبية. كل تأخير في بناء إطار وطني جامع، يشعر فيه السوريون أنهم متساوون فعلا لا قولا، هو استثمار مباشر في الفوضى المقبلة. لا دولة تُبنى على الخوف، ولا وحدة تُفرض بالإكراه، ولا استقرار يولد من إنكار الألم.
المشكلة اليوم ليست في اختلاف السوريين، بل في تحويل هذا الاختلاف إلى أداة حكم فحين تُدار البلاد بمنطق الشك وحين يُطلب من فئات كاملة إثبات وطنيتها يصبح الانقسام سياسة ويغدو الدم تفصيلاً قابلاً للتبرير هنا تسقط كل الادعاءات عن دولة مدنية أو عقد اجتماعي جديد.
نعم، المسؤولية جماعية، لكن إنكار تفاوت المسؤوليات هو هروب مقصود من الحقيقة، هناك أطراف تملك القرار والسلاح والقدرة على التهدئة، واختيارها عدم استخدام هذه القدرة هو موقف سياسي كامل الأركان، لا خطأ عابر، التهدئة ليست ضعفا، ومدّ اليد ليس هزيمة، بل الامتحان الحقيقي لمن يدّعي امتلاك مشروع دولة.
الأخطر أن السوريين باتوا يُدفعون، عن قصد أو عن عجز، إلى قبول ما كانوا يرفضونه سابقا: التعايش مع تهديدات خارجية، والبحث عن ضمانات خارج الوطن، لأن الداخل لم يعد يشعرهم بالأمان وحين يصل مجتمع إلى هذه النقطة، فهذا إعلان فشل أخلاقي قبل أن يكون سياسي.
هذه ليست دعوة للمجاملات ولا للمصالحات الشكلية إنها مطالبة صريحة بتغيير السلوك لا الخطاب، وبكسر منطق الغلبة، وبالاعتراف أن البلاد تقف على حافة تفكك حقيقي فالفرصة ما زالت قائمة، لكنها تضيق بسرعة.
التاريخ لا ينتظر المترددين. ومن يعتقد أن الوقت يعمل لصالحه، قد يكتشف متأخرا أنه كان يعمل ضد سوريا نفسها.