مما لا شك فيه أن الجديد الفلسطيني المنتظر والتحول المرتقب والتغيير المنشود اثر الانجازات والانتصار الهام في معركة سيف القدس يحتاج فيما يحتاج الى حوار وطني شامل .. ومقولة الحوار الوطني الشامل من كثرة استخدامها بدت وكأن الدهر أكل عليها وشرب , مقولة طالما جرى ترديدها ولم يحصل مرة واحدة التوجه لها بجدية وكل إدعاء غير ذلك مغاير للحقيقة .
كانت المطالبة بتحقيقه مستمرة ومتواصلة وعلى لسان أكثر من طرف وفصيل , كانت الدعوة له تكاد تكون يومياَ وأمام كل مستجد وكل مؤامرة يجري الإعداد لها , وكان الهدف منه إجراء تقييم ومراجعة لكل الحالة الفلسطينية واستنباط الدروس ووضع إستراتيجية جديدة وبرنامج وطني وبناء وحدة وطنية في إطار م.ت.ف بعد إعادة بناء مؤسساتها على قاعدة الميثاق الوطني .
بقيت المطالبة بالحوار والدعوة له مجرد أمنيه ..وعند البعض لغواً في الكلام ..وعند آخرين مجرد خطاب سياسي لكن تنقصه الإرادة للتوجه له بجدية .
لقد جرى إطلاق اسم الحوار على الاجتماعات التي حصلت في بيروت والقاهرة وغيرهما , وتبين أن الجهة التي تدعو للحوار هي السلطة وقيادة المنظمة بواقعها الراهن , هي التي تحدد من يحضر ومن لا يحضر ..هي التي تضع برنامج البحث والنقاش ..هي التي تعد مسودة البيان الختامي .. لذلك كان الأداء فلكلورياً , وإذا ما تحقق اتفاق على شيء لا يلبث أن يتبدد بعد ساعات أو أيام قليلة وفي أحسن الأحوال بعد أسبوع أو أكثر قليلاً .
الآن وفي هذه الآونة بالذات وبعد الانجازات الوطنية والانتصار الذي حققه معركة سيف القدس بات الحوار مطلوباً وملحاً فهو مهمة وطنية ملحة وعاجلة وحتى يعطي الحوار ثماره ويؤسس لجديد منتظر وتحول مرتقب وتغيير منشود , يتوجب معالجة الأسس بما يتناسب مع ما بعد معركة سيف القدس ونتائجها , فليس بوسع أحد أن يدعي الحق بتوجيه الدعوة أو يحدد الآليات المترتبة والتوقيت وجدول الأعمال الخ .
ان أي حوار مرتقب يتوجب أن يجري الإجماع عليه بداية أن الدافع له وصول الحالة الفلسطينية والواقع الفلسطيني الى مرحلة بات يحتاج إلى التغيير العميق .. تغيير في الأشخاص والشخصيات والسياسات والبرامج .. وان هذا التغيير ينجم عن حوار تدعو له هيئة وطنية يمكن الاتفاق عليها من شخصيات وقوى وفصائل وطنية وان يضمن حضور الجميع بدون استثناء , فحضور كل فصيل وحزب وقوة وطاقة وفعالية ونقابة واتحاد وهيئة وطنية معنية بالهم الوطني والنضال الوطني مسألة مبدئية وليست مسألة إجرائية يمكن التلاعب بها ... مع التأكيد أن عدم الاستثناء يعني أنه لا وجود لانتقام يحدد مسار قضية وشعب لا وجود لعصبية تتحكم بقضية وبنضال وبكفاح شعب ..وإذا ما تحقق ذلك يجري البحث في مكان الانعقاد وهو مسألة مبدئية بالتأكيد ..ولكن مهما كان المكان فالأساس ان العلم الفلسطيني وراية منظمة التحرير هما ما يزينان قاعة المؤتمر ..ليكون الموقع مبنى فلسطيني وقاعة فلسطينية وسقف فلسطيني وطاولة فلسطينية .
والحوار ينبغي أن ينصب ويتوجه الى تقييم ومراجعة شاملين لكل ما اعترى قضية فلسطين من أخطار ولكل المسارات السياسية السابقة وما فعلته بالقضية ومصير الشعب والهوية والحقوق ... وينصب بالدرجة الأولى وبشكل أساسي على تقييم واع ودقيق للعدو الصهيوني الغاشم الذي نواجه , وعما اذا كان يمكن التغلب عليه وقهره وهزيمته وإجباره على الاندحار .. فالحوار الوطني يهتم بورشة فكرية سياسية عميقة تدرس واقع العدو ...فكفى إيحاء أنه لا يقهر وأنه قوي وانه مدعوم ومسنود من أمريكا وقوى الغرب الاستعماري ..يتوجب أن نعرفه على حقيقته ..نعم تقييم واقعه بعد 73 سنة على قيام كيانه المتهاوي ..إلى إعادة تعريفه وفهمه وإدراك عوامل قوته وضعفه .. وإذا كان العدو مدعوم ومسنود من قوى استعمارية غاشمة على رأسها أمريكا ومعه بعض الحكام العرب , فقضية فلسطين قضية حق وعدل معها كل الأحرار والشرفاء في العالم ومعها محور المقاومة وجبهة المقاومة الممتدة من جبل عامل الى الحديدة ومأرب , وهو محور عبر عن نفسه وهيئ نفسه وأبدى استعداده وأعلن عن تحفزه ..فالمعركة معركته وفلسطين قضيته والعدو الغاشم عدوه أيضا , والخلاص منه هو لخدمة أمن واستقرار وحرية وتحرر وسيادة واستقلال منطقة واسعة بأكملها .
حوار ما بعد معركة سيف القدس يحمل في ثناياه الأمل ..يجدد العزيمة ..يستنهض الشعب كله والأمة بأكملها .
فلسطين اليوم باتت أقرب .. فساعة القدس والبهاء دقت ..وساعة الشهداء سليماني ومغنية وكل شهداء شعبنا وأمتنا ورموزهم العظيمة تلمع في سماء فلسطين مرصعة بعقارب من نار ونور .
أبو فاخر / أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة


