إضاءة على كشمير يقدمها الدكتور وفيق ابراهيم , الكاتب المحترم وفيق ابراهيم يقدم صورة موضوعية عن كشمير, بقيت قصة كشمير أحجية غير معلومة بالنسبة للكثيرين, اليكم المقال.
إضاءات
قطار التدمير في كشمير
وبرعاية دولية!
د. وفيق إبراهيم
يتنقُّل الصراع الدولي من منطقة الى أخرى حسب حاجات القوى التي يتألّف منها، متخذاً شكل قتال محلي عادي يخفي نزالاً محموماً بين قوى دولية تحاول التفرد بإدارة العالم، أو تخفيف عدد المشاركين فيها الى الحد الأدنى.
لكن النزال الدولي تلقى هزيمة في الشرق الاوسط الذي تمكنت قواه الداخلية في إيران وسورية والعراق واليمن وحزب الله من الانتصار وإصابة القطار بعطب في محركاته، فيحاول إصلاحها ولا يصيبُ مُكرراً المحاولات إنما من غير جدوى حتى الآن.
هذا القطار الاميركي، يحاول اليوم تأجيج صراع في شبه القارة الهندية على منطقة كشمير التي تتمتع بحكم ذاتي منذ 1945 برعاية هندية باكستانية سادتها في الكثير من المراحل اشتباكات حادة بين البلدين سقط فيها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والتدمير ولا تزال حتى الآن.
الجديد في الموضوع أن رئيس حكومة الهند ناريندر مودي الغى منذ أسبوعين تقريباً قانون الحكم الذاتي على الجزء الهندي من كشمير فاخترقها الجيش الهندي مبطلاً كل مظاهر الادارة الذاتية ومعتقلاً آلاف الاشخاص ومعطلاً كل خدمات الاتصالات الداخلية ووسائل الاتصال الاجتماعي، متسبباً بعزل كشمير عن العالم بما فيه باكستان والهند نفسها، هذا ما أدى الى تظاهرات كشميرية متواصلة مقابل قمع هندي كبير لها واشتباكات على الحدود مع كشمير الباكستانية تنذر بحرب قريبة يعوّل الخبراء على أنها لن تكون محدودة، وربما مخيفة لامتلاك طرفيها المتصارعين أسلحة نووية.
لقد بدأ القتال على كشمير 1947 بعد خروج الاحتلال البريطاني من المنطقة، مستمراً لسنتين اضافيتين حتى تمكنت المنظمة الدولية من إعداد اتفاق لاطلاق النار بين الهند والباكستان قضى بتنظيم استفتاء للكشميريين يحددون فيه ما يريدونه، لكن الهند تمنعت عن تنظيم الاستفتاء في حينه لأنها تعرف مسبقاً ان هناك اكثرية اسلامية ساحقة 70 في المئة مقابل اقلية هندوسية لكنها سمحت في 1954 لادارة محلية بالتشكيل انما بعد حروب قاسية مع باكستان.
هناك اذاً اعادة لتأجيج الصراع الهندي الباكستاني في سفوح الهيمالايا سقف العالم على مقربة من صراع هندي صيني في المنطقة نفسها وباشتراك أفغاني أميركي بخلفية روسية.
لذلك فأزمة كشمير هي أزمة داخلية بين شعب واحد يتفرق بين مسلمين وهندوس، ببعد إقليمي هندي باكستاني يدعي كل منهما بانتماء كشمير اليه.
ما يجعل الأزمة تبدو وكأنها صراع ديني في حين ان اندلاعها الحالي يتقاطع مع اتفاقات اميركية مع طالبان القاعدة في أفغانستان. وهذا يكشف اسباب القلق في الهند التي لا تخاف على خسارة كشمير فقط، بل على تأجيج الصراعات بين الهندوس والمسلمين داخل الهند نفسها، فطالبان عندما تتولى حكم افغانستان برعاية من المخابرات الباكستانية كما يحدث منذ أربعين عاماً تقريباً، يصبح بوسعها تشديد اتصالاتها بالاقليات الاسلامية في كشمير والهند، والايغور من الاقلية الإسلامية في الصين وكذلك بين مسلمي روسيا وآسيا الوسطى، فهل تتحول طالبان «اداة اميركية» لاختراق الهند والصين وروسيا؟
وهذه دول مرشحة لتتقاسم ادارة العالم مع الأحادية الاميركية التي تسجن العالم في تفردها بالسيطرة عليه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات.
هذا يوضح ان ازمة كشمير هي ازمة هندية باكستانية بالدرجة الاولى لم يجد الفريقان لها حلولاً وهذا يستتبع تمهيداً وتسهيلاً للتدخل الدولي الحريص على اختراق أي منفذ في الأزمات الداخلية للدول، تزيد من نفوذه وتسلطه في كل الاتجاهات.
بالتتابع نرى أن الهندوس والمسلمين برايات هندية وباكستانية فتحوا الطريق للقلق الصيني المزدوج من الهند من جهة وطالبان من جهة اخرى والاستثمار الاميركي فيهما من جهة ثالثة.
روسيا بدورها مضطربة من احداث كشمير وتخشى دوراً كبيراً لطالبان برعاية باكستانية اميركية.
لجهة الصين، فإن الجزء الآخر من الهيمالايا هو مدار حروب وصراعات مع الهند لا تزال مفتوحة، هذا بالاضافة الى الصراعات بين بلدين نوويين في اقليم واحد يخشيان بعضهما بعضاً منذ ستين عاماً على الاقل والدليل ان الاميركيين اساساً وبغض طرف سوفياتي سمحوا للهند بامتلاك سلاح نووي في مواجهة الصين وغطت ايضاً باكستان بتمويل سعودي لامتلاك سلاح نووي بدورها ما جعل هذه المنطقة تربض على برميل نووي ينتصب في العلاقات السياسية لهذه الدول اي روسيا الصين الهند باكستان. لذلك فإن هناك ملاحظتين اساسيتين للتفرّد الهندي في الغاء الحكم الذاتي في كشمير والصمت الاميركي.
هنا يبدو واضحاً ان الهند قامت بحركة استباقية على المستوى العسكري السياسي لكبح جموح طالباني نحو استخدام مسلمي كشمير والهند لتفجير الهند نفسها وبالتالي ضبطها ضمن منظومة الدولة الإقليمية المعتدلة التي لا تطمح لأداء أدوار عالمية.
اما الصمت الاميركي حتى الآن الذي يراوغ متهرباً من اتخاذ موقف واضح، فالصراع على كشمير مفيد له، لأنه يربك الهند والصين وروسيا في آن معاً وهؤلاء لا يستطيعون حل أزمة كشمير من دون موافقة أميركية باكستانية مسبقة تلجم طالبان وادوارها المرتقبة في تأجيج الإرهاب في شبه القارة الهندية على متن القطار الأميركي الذي بدأ بالتراجع عن الشرق الاوسط مركزاً من سيطرته على أمن ملاحة تشمل الهند ايضاً وتشكل جزءاً من محاولات الاميركيين للسيطرة على بحر الصين.
يتبين بالاستنتاج أن الصراع على كشمير ببعده الاقليمي والدولي يريد قطع طريق الحرير الصينية وعرقلة الهند ومحاولة اقتحام روسيا من بوابة الإقليمية الإسلامية فيها، بتغطية من الاسلام الخليجي ذي الاصول القاعدية.
بالمقابل لا يمكن للصين وروسيا ان تقبلا بتدهور الاوضاع في اقليمهما ويريدان معادلة تستوعب الطرف الهندي وتضبط ايقاعاته العسكرية والسياسية على نحو لا يسمح للاميركي بتدمير شبه القارة الهندية والوصول الى حماية أحاديته التدميرية على حساب تراجع الدورين الروسي والصيني.