الحرب الاقليمية واقعة لا محالة..
فلسطين
الحرب الاقليمية واقعة لا محالة..
7 تشرين الثاني 2021 , 10:47 ص
(( ان اقامة الدولة اليهودية الصرفة هي احد اهم اهداف المشروع الصهيوني ، وكانت هذه الدولة،كما هو واقع الحال، ستقوم بالاستيطان، فان مثل هذا الاستيطان لا بد ان يكون اجلائيا، اي انه يبني صلته الجديدة بالار

(( ان اقامة الدولة اليهودية الصرفة هي احد اهم اهداف المشروع الصهيوني ، وكانت هذه الدولة،كما هو واقع الحال، ستقوم بالاستيطان، فان مثل هذا الاستيطان لا بد ان يكون اجلائيا، اي انه يبني صلته الجديدة بالارض عبر قطع العلاقة القائمة عليها مع سكانها الاصليين. وعليه، فلكي تصبح فلسطين (( قاعدة امنة )) للمشروع في شقه اليهودي، فانه لا مناص من تهويدها كاملا- ارضا وشعبا وسوقا وهكذا يكون امن المشروع على الصعيد الاستراتيجي الاعلى متوقفا على نجاحه في انجار هذه المهمة- اي التهويد الكامل لفلسطين، عبر التغييب الكامل لاهلها الاصليين. ويتضح من الادبيات الصهيونية ان قادة العمل في الحركة الصهيونية قد وعوا ابعاد مشروعهم الاستيطاني مبكرا، وادركوا الا مجال لتحقيق اهدافهم بوجود الشعب الفلسطيني على ارضه ولذلك عمدوا منذ البداية الى تغييب هذا الشعب، والى نشر وعي زائف يقوم على انكار الوجود المادي للشعب الفلسطيني. من هنا كان الترويج الصهيوني لشعار( ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ).                                     - اسرائيل    التسوية    المحطة

الدكتور . الياس شوفاني - ))

 

بعد مضي قرن من الزمان عل المشروع ذي الابعاد الثلاثة، الفلسطينية والعربية والدولية ( الاستيطاني الاجلائي - الامبريالي العدواني- العربي المقاوم)  لو قمنا بعملية جرد حساب وتقييم للانجازات التي حققها كل طرف من اطراف الصراع، والاخفاقات والخسائر التي مني بها كل طرف. لنأخذ الطرف الصهيوني والذي كانت بداياته الفكرة التي طرحها ثيودر هيرتزل في كتابه " الدولة اليهودية

The Judane State 

في سبعينيات القرن التاسع عشر والذي لم يحدد فيه الرقعة الجغرافية التي ستقوم عليها الدولة. كان هرتزل مفتونا بالفكر الاستيطاني، واتخذ من سيسل رودوس ( رائد الاستيطان في افريقيا والذي حملت مستوطنة روديسيا اسمه) عرابا وابا روحيا له.

في نهاية القرن التاسع عشر طرحت الصهيونية مشروعها الوظيفي في خدمة المشاريع الامبريالية في الوطن العربي حيث حددت البقعة الجغرافية الاكثر استراتيجية في الوطن العربي وهي فلسطين حيث تقع في القلب وتفصل المشرق العربي عن مغربه وتقوم بدور الحارس الامين لقناة السويس الشريان الحيوي لبريطانيا والغدة السرطانية التي تتفشى في الجسم العربي الجيوسياسي. كان مؤتمر بال في سويسرا الذي اقر ان تكون فلسطين هي المشروع الاستيطاني والذي لا يمكن تحقيقه الا بتوظيفه كقاعدة متقدمة للمركز الامبريالي ومشروعه العدواني ضد الشعوب العربية الذي استثمر في المشروع الصهيوني كموظف يؤدي وظيفته في خدمة المشروع الامبريالي الهادف للسيطرة على الوطن العربي  بابقاءه مشرذما جغرافيا ومختلفا سياسيا ومتخلفا اقتصاديا وحضاريا. كان الزواج المصلحي  بين شقي المشروع وكان وعد بلفور وثيقة عقد القران. كانت اتفاقية سايكس - بيكو  الصك الامبريالي الذي على اساسه  تم تقسيم المشرق العربي ( الهلال الخصيب) واخضاعه للانتداب الفرنسي والبريطاني.

منذ ذلك الحين والشعوب العربية المستهدفة من كلا المشروعين الامبريالي والصهيوني ، وهي تتصدى، وتناضل من اجل منع ذلك ضمن امكاناتها الذاتية والموضوعية. خلال الحرب العالمية الثانية ازدادت اعداد المهاجرين اليهود من اوروبا الى فلسطين مما انعش الشق الصهيوني من المشروع الهادف الى تهويد فلسطين وحرمان شعبها من وطنه بتشريده واجلاءه من خلال المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية المدربة والمسلحة جيدا.  

بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها، وانتصر الحلفاء على المحور النازي- الفاشي. نجحت بريطانيا ومن وراءها القوى الامبريالية الاخرى باقامة الكيان واعلان دولته على جزء من فلسطين، وكان ذلك اهم محطة من محطات الهجمة الامبريالية - الصهيونية على الشعوب العربية.

جاءت حرب حزيران عام ١٩٦٧  لتشكل المحطة الرئيسية الثانية الذي ادت فيه دولة الكيان باتقان الدور الوظيفي المنوط بها بتوجيه ضربة قاتلة وطعنة نجلاء للمشروع الوحدوي والقومي الذي يقوده جمال عبد الناصر من على ارض الكنانة. برهنت حرب حزيران على اهمية الدور الوظيفي للكيان حيث ان المردود والعائد الذي حصل عليه المركز الامبريالي، كان هائلا وبلا حدود وتم صرفه من قبل المركز الامبريالي في السياسة والاقتصاد والهيمنة، وبان للعيان ولكل مراقب ان ما تم استثماره في الكيان لا يتعدى كونه مصروف جيب Pocket money  مقارنة بالمردود. على اثر ذلك دأبت القوى الامبريالية على العمل من اجل تمكين الاحتلال من جني ثمار عدوانه والمضي قدما في تحقيق مشروعه الاستيطاني التوسعي واخذ ببناء المستوطنات على الاراضي العربية التي احتلها في حزيران، لتوسيع القاعدة الاستيطانية واخذت جدلية القاعدة القوية المتقدمة والراعي الامبريالي في التطور والنمو.

ادت حرب تشرين عام ١٩٧٣ الى ضرب اهم مرتكزات المشروع الثنائي الامبريالي (( الام)) والصهيوني (( الوليد))  وزعزعت اهم الاسس التي قام عليها الكيان، وهي امن القاعدة المتقدمة للامبريالية في المنطقة، واستعادت الجيوش العربية وخاصة الجيش المصري والجيش العربي السوري الثقة بالنفس، وان هزيمة المشروع الامبريالي الصهيوني ممكنة. لذلك كانت مشاريع التسوية والسلام تصب كلها في في خدمة الكيان وامنه واستقراره. استدارت القوى الامبريالية ووجهت الكيان للقيام باجتياح لبنان لتصفية قوى المقاومة العربية وفي مقدمها المقاومة الفلسطينية. احتلت قوات الكيان بيروت، وغادرت منظمة التحرير الى الشتات، متوجة انتصار المشروع الامبريالي الصهيوني على قوى المقاومة العربية. شكل احتلال لبنان محطة المحطات كلها في تاريخ الصراع، حيث اصبحت المنطقة برمتها على مفترق طرق وحد فاصل ما بين مرحلتين استراتيجيتين  عنوانهما ما بعد الاجتياح ليس كما قبله.

ان مرحلة ما بعد الاجتياح طوت الاعتماد على الجيوش النظامية في شن حروب التحرير، وصارت مهمتها الحفاظ على الوطن والدولة، تقدمت قوى المقاومة العربية وفي طليعتها المقاومة اللبنانية للتصدي لمخططات الكيان ومن ورائه المركز الامبريالي  وعلى راسه امريكا. سجلت قوى المقاومة خلال الاربعين عاما التي مرت على اجتياح لبنان  انتصارات في عدة معارك ضد الكيان الذي خاض خلالها حروبا خاسرة ضد المقاومة التي انتصرت في كل معاركها وربحتها عسكريا وسياسيا وتعبويا ونهضويا. اكبر مثال على ذلك تحرير جنوب لبنان والذي تلاه انتفاضة الاقصى وتبعه هزيمة مشروع الشرق الاوسط الجديد في معركة تموز ٢٠٠٦ وهزيمة الكيان وتمريغ انف جيشه في التراب اللبناني وانهاء اسطورة الميركافا في وادي الحجير. ثم كانت حروب الكيان المتتالية على غزة حروبا فاشلة تصدت فيها المقاومة الفلسطينية  بمعارك منتصرة. كانت معركة سيف القدس ابهى هذه المعارك وتاج وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وفي نفس الوقت كانت هزيمة نكراء للحرب التي خاضها العدو الذي لم يستطع ان يجابه الرأي العام العالمي الذي انقلب عليه مما زاد الطين بلة فوق هزيمته العسكرية. كما ان معركة سيف القدس ازاحت الستار عن القوى الفلسطينية المرتهنة والمنخرطة في مشاريع التسوية مع العدو.

خلال اربعين عاما  على تولي قوى المقاومة العربية التصدي للكيان ومذاريعه راكمت انتصارات  سجلتها بالنقاط المتراكمة وفي المقابل مني الكيان وداعميه بخيبات وهزائم متتالية، القت بظلالها على القوى الاقليمية والدولية. ان الكيان الذي فشل خلال الاربعين عاما المنصرمة عن القيام بدوره الوظيفي واهم هذه الادوار التصدي لحركة التحرر العربية ومقاومتها الباسلة، مما انعكس على العقل الصهيوني حيث تزعزعت ثقته بالالة العسكرية الصهيونية المتأكلة وعزوف الشباب الصهيوني عن الخدمة العسكرية وفقدان الحافزية القتالية لافراد الجيش الصهيوني. وهذا بدوره ترك بالغ الاثر على امن الكيان كقاعدة متقدمة ومشروع كيان استيطاني. عبثا يحاول الراعي الامبريالي  (( الام)) توفير الامن للكيان (( الوليد)) من خلال حربه الارهابية على دول محور المقاومة وفي قلبه سوريا وبعد فشل هذه الحرب ورجحان كفة المقاومة ومحورها  عبر مراكمة الانتصارات  اقول باختصار ان المركز الامبريالي في هجومه على الاقليم ومن خلال توظيفه للكيان للقيام بالمهمات المسندة اليه، نجح في مرحلة ما قبل اجتياح لبنان لكنه فشل فشلا ذريعا في مرحلة ما بعد الاجتياح.

قام محور المقاومة بالاستثمار في المقاومة ما بعد الاجتياح ومنذ ذلك الوقت والانتصارات تتوالى وتتراكم. تم حشر الكيان في الزاوية يواجه مأزق الوجود وللخروج من هذا الأزق يسعى الى حرب يعجز عن خوضها في مواجهة محور المقاومة الذي لا يخشى الحرب وفي حالة وقوعها هو المنتصر فيها. انعكست جدلية هذا المأزق على الراعي الامبريالي ومضى يفجر صراعات داخلية مذهبية وطائفية في في دول الافليم على امل ان يضعف قوى المقاومة. وخير مثال على ذلك ما يجري في لبنان والعراق. ان انسداد افاق الحل من جهة واستمرار العبث ببيئة المقاومة ومحورها ووضع الكيان  كاستثمار بلا مردود ووضع المقاومة كاستثمار مردوده الانتصارات المتتالية، واذا ما استمرت امريكا في تبنيها للقوى المهزومة والمازومة للعبث في ساحات المقاومة الداخلية ستلجأ قوى المقاومة الى لي ذراع امريكا التي توجعها وهي الكيان  وامنه ووجوده. ان غيوم الحرب الاقليمية تتراكم في اجواء المنطقة وستنفجر دون سابق انذار وهي حتمية لا مفر منها وستكون اخر الحروب وسيكون اخر الدواء الكي.

لقد ولى زمن الهزائم واقبل عصر الانتصارات.

 

م. زياد ابو الرجا

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري