عبقرية التفاوض..واعادة الانتشــار..\ د. ياسر أكرم دودين
ثقافة
عبقرية التفاوض..واعادة الانتشــار..\ د. ياسر أكرم دودين
د. ياسر أكرم دودين
23 تشرين الثاني 2019 , 22:18 م

...عبقرية التفاوض..واعادة الانتشــار..

واللي انكتب ..واللي انقرا.. مفروط يا "منير"..!!

..واللي انكتب مفروط ..يا عنقود العنب..

واللي "انقرا"..غنيوه بس قصيّـره..!!

 

 

...بعد ان ضاق بي الحال نهاية عام 97- وبداية 98..عدت الى عملي في عمّان مغادرا الخليل مدينتي في فلسطين ..والتي قضيت فيها السنوات من 93-1997 بعد نهاية زواج فاشل ارهق           اعصابي على مدى ثلاث سنوات قبلها "في عمان"..مقررا العودة بطفلي الى الوطن ..حيث كانت فرصة لاتعوض لاستعادة هويتي ومواطنتي اللتان حرمت منهما اثناء الدراسة في الاسكندريه منذ العام 1979 من جانب الاحتلال ..

.... ولان حظي "بيفلق الحجر!" كما يقولون ..فقد كان قدري ان اعود لمدينتي في تلك الفتره  لاشهد فيها احداثا صعبه , هزّت الدنيا ولم تهز أي زعيم او "أبو فلان" عربي في المنطقه ؟!!

 

حيث بدأت هذه الاحداث  بمجزرة الحرم الابراهيمي البشعه والمعروفه والتي انتهت بتضييق الخناق على اهل المدينه بدل اخراج المستوطنين منها !!..وهو ما جادت به عبقرية التفاوض التي تنقلت بين اوسلو وطابا وواي ريفر ..! ..وتسارعت الاحداث الاسوأ بعد اوسلو ودخول السلطه لتأتي قوات دوليه الى المدينه-     TIPH رواتب افرادها العاليه من ضمن المساعدات المقدمه للشعب الفلسطيني!! ..والتي لا نفع منها غير تسجيل الانتهاكات الاسرائيليه على الدفاتر بدون عقاب او رادع !!...

..بل وامتد الامر الى اقتطاع الجزء الاهم من "البلدةالقديمه"لصالح المستوطنين وبذلك حرمت المدينة من شريان حياتها التاريخي واصبح مجرد ذهاب المواطن الى زيارة قريبه في البلدة القديمه اصعب كثيرا من السفر الى نيويورك !!!

 

...ولان الصهاينه يرون امامهم مزيدا من التنازلات بلا مقابل فقد استشروا عنجهية وقمعا في المدينة- كما باقي المدن- ..ولماذا لا يفعلون ؟..هل هناك من رادع ؟؟!

 

وكان هناك شارع عند بداية مركز المدينه"باب الزاويه"..وهو الاقصر طريقا للمدينة القديمه حيث كان الناس يذهبون من خلاله بدون مواصلات في 10 دقائق على الاكثر ,لقضاء حاجاتهم من السوق الرئيسيه وهناك كانت مواصلات القرى والمدن المحيطه ايضابعد مقدمة هذا الشارع...ولكن الاسرائيليين وبعد الاستيلاء على المنطقه وضعوا حاجزا على مقدمتة  سمحوا فيه بمرور المستوطنين فقط .. بحجة انه كانت في بدايةالشارع تلة صغيره تسمى " مقبرة اليهود" مدفون بها عدد من اليهود الذين كانوا يقطنون البلده قبل عام1948..!!

   وبذلك كان على ابن المدينه ان يذهب الى البلدة القديمة مشيا من شوارع اخرى فرعية وطويله –ثم منع نهائيا بعد ذلك الاّ بتصاريح خاصة- .... وبهذا المنع اقفلت كل مصالح الناس الحيويه من متاجر ومواقف سيارات وبنوك وغيرها لتنتقل الى ما قبل هذا الحاجز ليتسبب ذلك في مزيدا من الاختناق لشريان المدينة الرئيسي والحيوي "باب الزاويه"..

 

..بعد مذبحة الحرم واوسلو بدأت ممارسات من نوع شاذ وغريب على هذا الحاجز, حضرت بنفسي بعضها ..فيوميا كان الجنود الاسرائيليون يتسلون باي مواطن يحاول المرور العبور ماشيا فيتم قتله ببساطه ويضعون سكينا بجانبه (حتى لو كانت سكين فاكهه)..!! ليتم التبرير بعدها بمحاولة طعنه للجنود!!..حتى انهم تسلوا يوما وبدم بارد باحدى العجائز الريفيات وتم قتلها بنفس الطريقه ..وبنفس الحجه!!

 

 

وامام ثورة الناس وحضور الصحافة الاجنبيه ..بدأت ماراثونات تفاوض جديده نزلت من "اوسلو" الى "واي ريفر".. واستقرت تنازلاتها في شارع الشهداء (كما سمي لاحقا)..!! وجاء القرار العبقري باعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في المدينه.. فكيف كان على الارض ؟؟!!

ببساطه ترك الجنود الصهاينه اسفلت الشارع وازالوا الدشم الاسمنتيه ..و..صعدوا الى سطح البيت المجاور ونقلوا الثكنه الارضيه باخرى فوق هذا السطح !!..وبقيت الممارسات هي هي!! وضاقت الحياة بالناس اكثر بعد الاجتياحات الاسرائيليه اليوميه لكل المناطق – قبل اوسلو والانتفاضه الثانيه!!ــ

..فاصبح الخناق على الناس من طرفين ..!!

 

..ومدينة الخليل العريقه- لمن لا يعلم – هي اكبر محافظات فلسطين على الاطلاق ..سكانا ومساحة وعدد قرى تابعه..

...اهلها اناس طيبون تعوّدوا على مبدأ  "القناعة كنز لا يفنى"

.... تتسم حياتهم بتناقضات شتّى ..مهتمون بالتجاره والزراعه وبعض المنسوجات والصناعات التقليديه تاريخيا..وبرغم تضخم مجالات العمل ودخول المصانع اليها فقد ظلّوا كما هم ..ما يدّخرونه يبنون به بيوتا لاولادهم ..ودكاكين للمستقبل يحرصون على بنائها اسفل عماراتهم تحسبا للمستقبل و..علشان

 الاولاد !!!

 

... وتتشابه الخليل ومنطقة الجنوب عموما مع الصعيد المصري في كونها كما اخرجت عباقرة على مستوى الوطن والضفتين

(فى العهد الاردني)..الاّ ان النكات المشهورة.. كانت دوما

عنهم..ومن نصيبهم !

تناقضاتهم غريبه وصبرهم طويل ..وثورتهم لا احد يستطيع ان يخمّن لها موعدا...

..في العهد الاردني مثلا ..وضعت الادارة الاردنيه لهم رئيسا للبلديه (عمده)  من اصحاب الخطاب الديني ..شيخ بجبة وقفطان وكان مركزه وتأثيره – بحكم هذا الزي المهيب!- أكبر من المحافظ الاردني صاحب السلطه الامنيه !!.... هذا الرجل وفي هذه المدينة المكتظه بالسكان .. اقنعهم هو وحاشيته بأن انشاء دار سينما مفسدة للبلده !.. فرضوا بذلك مع انهم كانوا يعرفون ان شيخهم وعائلته يذهبون لدور السينما في بيت لحم اسبوعيا ؟!

..هم ايضا وببساطه كانوا ايضا يذهبون لدور السينما في بيت لحم وبيت جالا والقدس ..

 كذلك كانوا يرتادون الحانات لاحتساء المشروبات الروحيه في تلك المدن ..وكأنها حرام في الخليل ...حلال في مدن اخرى !!!

.. طبعا بهذا المنطق العجيب انتعشت دور السينما والبارات في تلك المدن من جيوبهم ..!!.. ولم يتم بناء دار سينما او حتى مسرح صغير فيها للان !!

... ومن المثير والعجيب ان هذه المحافظه ومنطقة الجنوب عموما لا يوجد فيها مسيحي واحد !!- لا ادري ما اصل ذلك تاريخيا-..مع ان اغلب المدن والقرى الفلسطينيه بها كلا الطائفتين ..

.. ومع ذلك فاهل المدينه يستمتعون بتسمية ابنائهم على اسماء الانبياء من اّدم الى محمد... والملائكه من جبريل الى عزرائيل..؟!!...ولا تستغرب حينما تجد او تسمع اسم " دانيال محمد عبدالله" مثلا!!..وذلك لان الاب له صديق مسيحي في مدينة اخرى فسمّى اسم ابنه ببساطه على اسم الصديق !!

 

.. وامّا عن الصبر .., فاهل هذه المدينة يتمتعون بهذه الميزه في جميع نواحي حياتهم ...حتى في حركات الانتفاضه كانوا هم اخر المشتركين بها ولكن بغضب محبوس وشديد ؟!.. وهناك اكثر من عمليه نوعيه ضد الاحتلال وضد العسكر بالذات كان موقعها مدينة الخليل مما اثار الصهاينه وزاد خنقهم للمدينة..

 

....والخلايله يقاومون بطرق مختلفه .. فالواحد منهم يّدخر ما عنده من تجارته اوعمله ليبني بيتا او ليزوج ابنا ..ومع الاحتلال ...وتوالي الاختناقات.. زادت نسبة الزواج المبكر في هذه المدينة ...مما يعني مزيدا من المواليد !!..ولعل اكثر ما يقلق الصهاينة ويحسبون له حسابا اكثر من كل جيوش العرب مجتمعة هو:

 مولود فلسطيني جديد او.. بيت فلسطيني يبنى ...او شجرة تزرع ..والخلايلة  ...مواظبون على الثلاثة ..!!

 

وقد اشتهرت الخليل ومحافظتها تاريخيا بزراعة  العنب بشكل كثيف..حيث كان السكان يتمركزون في البلدة القديمة ..وما حولها ..وباقي الاراضي كانت كرومات للعنب يذهبون اليها صيفا

مع عائلاتهم وابنائهم  والاقامة فيها 3 اشهر (خلال عطلة المدارس) لجني محصول العنب وبيعه واعادة تشذيب الكروم وزراعتها ... واستمر هذا الحال حتى منتصف  السبعينيات ...

ولمّا بدأ التضييق على السكان ..لجؤوا الى النزوح الى هذه الكرومات واقتطاع اجزاء منها للسكن ..هذا غير الاراضي الزراعية الاخرى التي جرّفها الصهاينه ...

.. وبدأت المدينة تتسع وتمتد سكنيا على حساب هذه الزراعة الهامّه والتاريخيه ...وبازدياد عدد المواليد والسكان واستمرار التضييق من جانب الاحتلال , بدأت تنحسر اراضي العنب اكثر ..

 

.. ولقد تغنّى الكثيرون بالخليل وعنبها ..حتى ان واحدا من الشعراء الفلسطينيين المعروفين (عز الدين المناصره).. وبالرغم من اعماله العديده الاّ ان اكثرها شهرة ديوانه الاول

     " يا عنب الخليل " ...

 

..حسنا ..لقد تشعبت في الحديث عن شؤون وشجون مدينتي العزيزه في فلسطين .. والحديث والشجون لا ينتهيان..!!

 

..واعود للبدايه ..وبعد عودتي الى عمان-الاردن..في نهاية عام 1997 ..وبينما كنت في عملي ..حضر الي صديق اسكندراني من العاملين في الاردن وكان عائدا بعد زيارة للاهل هناك ..ورأيته يحمل شريطا غنائيا في يده قائلا :- جبتلك صاحبك ؟!_ كان يقصد "محمد منير"_..فهكذا كان وصفه حينما يروه او يسمعوه ..     ..من الراحله امّي الى اخر صديق .." مع انني لم اقابله شخصيا للان !"     ربما لانني اوّل من حمل البوماته 1979الى الاردن ..وعرفت الكثيرين به في وقت لم تكن قطاعات كبيره في مصر نفسها قد عرفت به ...

 

.. نظرت في البدايه الى عنوان الالبوم " فــرحه"..؟!...فاستغربت لأنني وجدت العنوان عاديا وغير ملفت ..ومنير تميز في ما تميز به باختيار عناوين البوماته منذ البدايه ؟!!..

...استمعت للبدايات وانشغلت .. وفي المساء اعدت الاستماع ..

..وفجـأه جاءت اغنية بلحن شجي مختلفه تماما عن مجمل الالبوم ..شجن جميل بصوت منير بدأ يتسرب الى قلبي :...

 

 

 

   ما نيش اخـر حبيب يدخل مدينتك ..

     ولا حتكوني يوم اخـر حبيــبه..

    ده اللي انكتب مفروط يا عنقود العنب !

   .. واللي "انقرا" غنّـيوه ..بس قصيّره ّّ!

 

  مشروخ يا ناي اااه..ما تغنيليش

  زعقك وجعني اااه .. وانا ما كفّانيش !

دي عينيكي دول مرايات

..مرسوم انا فيهم !

يا ضيعة الحكايات ,

 ع اللي انكتب فيهم

....

 مشروخ يا ناي ااه..ما تغنيليش

 زعقك وجعني اااه ..وانا ماكفّانيش !

...

استمعت ..واعدت الاستماع مرّات... ورأيت نفسي اطوف مع

الاغنيه في شوارع المدينة المهد.."الخليل"..واستعيد كل ما سبق ذكره !!

 

.. عدت لما كتب من وثائق وخرائط وتفصيلات تفاوضية عبقريه

..لم تستطع البت ولا حتى في مدخل شارع صغير؟!!

 

..اللي انكتب مفروط !!

... عدت ل "اللي انقرا".. وما حدث على الارض ؟!..كان فرحة مطفأة بسرعه و...غنّيــوه قصيّره !!

 

... فقد جاءنا القادمون من معركة(!) "اوسلو".. بمهرجاناتهم وسياراتهم ونشيدهم وبساطهم الاحمر وحرس الشرف ..ولا شيء على الارض... لا دولة ولا سلطه !!- وسيأتي يوم يكون لهم سلطة فقط على ما تبقى من شعب!!-

....

 اللي انكتب مفروط يا عنقود العنب..

 واللي انقرا ..غنّيوه بس قصيره !

 

  ... كم من عهود وقرارات ومعاهدات وعقود انفرطت على يد العدو قبل ان يجف حبرها ..اسرع من انفراط عنقود العنب ؟؟!

 

..كم قرأنا وعودا وخطبا وتصريحات ..منذ الكيلو 101 الى اوسلو ..وما زالت تتوالى وكأنها .."غنّيوه قصيّره"..من اغاني هذا الزمن الباهته ؟!!

 

...اعترف انني سرحت وشطحت مع الاغنيه في اجواء لم تخطر على بال من كتبها او غنّاها...ولكن هي الاغنية عندي كما اللوحة التشكيليه من حق كل متابع ان يراها ويتخيلها كما يريد

... وان قام مؤديها او كاتبها بتفسير احادي لها ..ضاعت !!

 

  ولكنني تركت السؤال والتساؤل ..فالايام تمضي والاحداث تتسارع ..وتندلع الانتفاضة الثانيه نهاية عام 2000 وانا بعيد عن الوطن ..وتمتلأ شاشات الاعلام العربي العتيد بصور الضحايا من اطفال وشيوخ وشباب ..ابتداء وليس انتهاء  بمحمد الدره  !!

... وتتوالى الاجتماعات والمؤتمرات والخطب والمهرجانات ..ويحوّل الاعلام جلودنا الى جلد خرتيت بتكراره لهذه المناظر بشكل يومي ودائم .. وعلى الارض لا شيء

 

                 ... "غنّيـوه قصيّـره" !

.. المخطط الصهيوني يسير في واد معد سلفا وهم في واد اخر ...وبجرة مجنزرة  صهيونيه تصبح المناطق ا,ب, ج ..نكته سخيفه

فالصهاينة يجتاحون كل شيء على الارض ولا يأبهون لاحد ..وامريكا واعلامها يهاجمون المقاومة الارهابيه !!!

والعربان يتداعون الى واشنطن بدل ان يتضامنوا من اجل انفسهم – على الاقل- !...واغنيات الندب تتوالى عن "الحلم العربي" وضميره(!) الغائب ..- اين هما ؟؟

          

               ...غنّيـوه قصيّـره !

.. واللي انكتب واللي انقرا في اوسلو و..طابا ..وغيرهما , انفرط بسرعة امام جنازير الدبابات الاسرائيليه و..فساد الانظمه ..واستهلاكها للحدث على مزاجها وحسب تبعيّتها ..!!

 ما بين خطاب ديني يجترّونه منذ عقود ..وخطاب قومجي زاعق  والاثنان لم يفعلا شيئا على مدى السبعين عاما  لانهما لا يريدان ..بل يتجاهلان الفهم بانّ القضية الفلسطينيه

 

                      هي قضية ارض وشعب اولا واخيرا !!

 

.. في ظل كل ذلك ..لم يكن الوضع الخاص افضل من الوضع العام

فقد كان هناك حزن وشرخ يكبر وخيبة أمل  من علاقة زوجية ثانيه

كنت امل منها لمّ الجراح السابقه ..لكن للاسف فقد عانيت مرارا اشد.. ربما بسبب عشقي وبحثي الدائم عن الامومه التي حاولت ان ازرعها في الشريكة الجديده !! لكن النتيجة انها نسيت كل ما تعاهدنا واتفقنا عليه قبل الزواج كشركاء حياه ..فقابلت تسامحي ومحبتي بالجحود والمكابره ومزيدا من اهمال رعاية الاطفال !!

فاضطررت وبرغم وجودها ان اعود مرة ثانيه للقيام بالدورين ابا واما معا لان الاطفال كانوا متعلقين بي دوما ..فصبرت وعانيت في ظل وضع عام سيء ..وضعا خاصّا أسـوأ ..! وهكذا تشتّت العقل والقلب ..بين عذابي العام والخاص ..!!

 

      اللي انكتب واللي انقرا ..مفروط !!

 

  في العام 2003 عدت للوطن بعد ان بلغني نبأ مرض والدتي الغاليه ...حيث بقيت بجانبها ارعاها وارعى ابنائي الذين تركتهم الشريكة – سابقا – في عز محنتي ومحنة الوطن ...

..... كل شيء يمضي ك "غنّـيوه قصيّره" ؟!.. حتى عهود الحب

والشراكه ..والقلب قبل الناي ..اضحى مشروخا !!

 

 

... في المرات القليله التي استطعت الذهاب الى المدينة التي زاد حصارها بعد انتفاضة الاقصى  ووصل هذا الحصار الى مداخل البيوت والازقة الضيقه!!..كنت ابحث عن اصدقاء العمر ..فكان الالم اكثر حينما علمت باستشهاد ابناء لهم في عمر الورد.. وجوه الاباء ذابلة حيرى تبحث عن اجابة لمستقبل غير منظــور ؟!!

 

 

... ترددت كثيرا – اثناء تجوالي – قبل ان ازور صديقي بائع الفلافل والذي كان له ابن صغير يتعمد ان يقدمه لي دوما : اعزف لعمك على "الشّبابه" (الناي الفلسطيني الشعبي).. فكان الطفل يجلس امامي ويسمعني أي شيء اطلبه منه ..حتى انه اجاد الموال الشعبي الفلسطيني المعروف " يما مويل الهوى "..اجادة تامه وكان الاب اكثر سعادة من الطفل حين يسمع تقديري واعجابي ..

... اقول انني كنت مترددا في الذهاب اليه لانني علمت اثناء غيابي باستشهاد هذا الطفل الجميل على احد الحواجز الاسرائيليه خلال الانتفاضة الثانيه !!

  وبالرغم من انني كنت اجر قدمي بصعوبة للمكان ..الاّ انني فوجئت بالاب يراني من بعيد فيأتي مسرعا لملاقاتي واحتضاني ..لنبكي معا ونتحدث و..نتذكر

         وفجأه اخرج من احد الادراج ناي الصغير ..!! وقدّمه لي قائلا:

      -- وصّـاني ان اعطيه لك ......

   ...لم استطع ان ارد ..انهمرت دموعي واحتضنت الناي الصغير ..وكأني بي احتضن الطفل الشهيد نفسه ..

 

             مشروخ يا ناي ااه ما تغنيليش ..

            زعقك وجعني ااه وانا ما كفّانيش !

 

ودعني الاب على امل اللقاء ..وكان يعلم بحالي وبمرض الوالده

...لم نعلم اينا يواسي الاخــر !!!

 

..بعد وفاة الوالده ..عدت ثانيه الى عملي بعمّان نهاية اكتوبر2003

ومعي اولادي ..وجازفت بالوقت والعمل من اجلهم ..ولكن الامور في عمّان بدأت تتدهور الى الاسوأ من ظروف مادية سيئه وغلاء فاحش وازدحام باللاجئين العراقيين الغلابة منهم والحراميه ..!!... وبدأت المنظمات المسمّاه (الحقوق المدنيه) وهي ذات تمويل اجنبي مشبوه في اغلبها – تتغلغل في جميع نواحي الحياة العامة في الاردن حتى وصلت للمؤسسات الشرعية والقضائيه ..!! و…الى ان وصلني كرمها !!

 

…عدت في بداية عام 2006 الى الوطن وحيدا محروما من اولادي بقرار ظالم مدعوم من قبل هذه المؤسسات المشبوهه ..

  ( ..لاستعيدهم بعد سنتين للوطن نظير المقابل المادي !!)..

 

..تركت عمان ..وأقسمت ان اطلّق النظام العربي كلّه بعد ان دخلت الوطن ..: من بابه ..من شرفة الفقراء !!

.. في الطريق رأيت الحواجز ازدادت اكثر… والحال كله اصبح اسوأ

من السابق ..فالذين ضيّعونا في متاهات التفاوض العبثي ..ما زالوا  كما هم مصرّون على خيارهم الاستراتيجي ..الانهزامي !!

 

.. توقفت بي السيارة المتعبه ..لانزل منها:

    ..مواطن فلسطيني متعب ومشروخ ..يضع شنطة سفره

..لا يقوى على حملها ..يجلس على طرفها وينتظر ..ويمعن النظر الى بيت والدته الراحله المقفل مدخله بدشم اسمنتيه من جانب الاحتلال .. ينادي فلا يسمعه احد في جو عاصف وبارد.. يأتي اليه احد اطفال الجيران ويجلس بجانبه ينتظر معه مرور احد …

.. ينظر الى الطفل ..يتذكر اطفاله البعيدين عنه :يا ترى ما مصيرهم ؟!.. يتذكر الطفل الشهيد , الذي ترك له الناي ..

..واللي زعقه سبب له الوجع…

            -زعقك وجعني ااه وانا ما كفّانيش !

 

   اخيرا دخل البيت ..كشبح قادم من الغيب ..

احتضنته الشقيقة الام .. واجلسته بجانب المدفأه مرتجفا مذهـولا.. مصدوما من كل ما جرى ..

 

   متسائلا عن الحبيب الذي لم يكن باخر الداخلين للمدينه

   عن الحكايات الضائعة .. واللي انكتب فيهم ؟!!

 

.. تذكّر الناي المشروخ .. قام وبحث عنه بيديه المرتجفه واحتضنه

.. وبدأ يتساءل وهو يهذي من الحمّـى والتعب:

 

    - لماذا الغنّــيوه دايما قصيّـره ؟!

    .. ولماذا الناي مشروخ  ؟!

     و..لماذا اللي انكتب واللي انقرا مفــروط ؟!

     

        … لمـــاذا يا"منير"؟؟!!

 

المصدر: وكالات+إضاءات