تكاد الساحة الليبية، تخلو من وجه إعلامي فذّ، يتكلم بالأرقام والمعلومات، التي باتت ضرورية، لشرح الواقع كما هو، ليس للداخل الليبي فحسب، وإنما للشارع العربي عموماً والأوروبي أيضاً، إلا أن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، "يقوم بالواجب على أكمل وجه"، لكونه المنبر الإعلامي والناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الليبية "الخالصة"، أي الجيش الليبي بأبنائه الليبيين، دون وجود أي مقاتل أو شريك أو حتى مستشار من أي جنسية، حتى العربية منها.
اللواء المسماري، عقد مؤتمراً صحفياً، وتسمّرت أمامه كاميرات الصحفيين، مطلقة العنان لـ "شرائح التخزين" فيها، لتوثيق ما سيقوله المتحدث باسم الجيش، وإذا به يبدأ برقم صادم، وهو قيام تركيا بإرسال 400 إرهابي يومياً إلى ليبيا، للقتال تحت إمرة حكومة السراج، مضيفاً أن أعداد هؤلاء الوافدين قد وصلت إلى 7500 إرهابي، وهم في غالبيتهم العظمى، لا يعرفون كيفية القتال والإنسحاب، كما أنهم لا يعرفون أي شيء عن كثافة النيران، وأوقات استخدامها، وعدم جدواها في أوقات أخرى، لافتاً إلى أنهم أي "الإرهابيين الوافدين" لا يمتلكون أدنى فكرة عن التعبئة العسكرية.
الجيش الليبي بين رسائل العتب وخبرة المعارك
لم تخلو الرسائل الإعلامية التي أطلقها المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، من بعدها الوطني والقومي، وهي رسائل ذات بعدين، الأول، موجه لحشد الطاقات الوطنية كافة في الداخل والخارج، لجهة عدم التراجع والتهاون في وجه المشروع التركي في البلاد، والثاني، موجه للأشقاء العرب، الذين بدوا غير مكترثين بتردي الواقع الأمني في ليبيا، التي كانت تقف وتدعم جميع أشقائها العرب في محنهم، في مشهد يشي بالعتب الكبير على هذا الخذلان، والذي قد يواسي أو يخدع المرء نفسه، حين يتذرّع بالمشكلات الداخلية لكل قطر عربي، اللواء المسماري، هنا كان واضحاً وذكياً، حين وجه عدة رسائل دقيقة بالأبعاد السابقة، مؤكداً على أن الجيش الليبي متمسك بخروج المرتزقة والقوات التركية، لافتاً إلى وجود ألف خبير وضابط عسكري تركي في ليبيا، في إشارة واضحة منه إلى أن التعامل مع هؤلاء "الجندرمة" لن يختلف عن التعامل مع المرتزقة والإرهابيين، وسيكون بالحديد والنار، وليس بالأرز والورود، وختم المسمساري هذه النقطة بتأكيده للصحفيين، سقوط قتلى من الجنود الأتراك في العمليات العسكرية والمعارك الدائرة في معيتيقة ومحيطها.
الإدراك اللوجستي وخبرة الإستطلاع
المؤتمر الصحفي للمسماري، في هذا التوقيت بالذات يجب ربطه بعاملين أساسيين، الأول، الإنكفاء التركي في شمال غرب سوريا، ماقد يفتح باب نقل الإرهابيين من إدلب إلى الأراضي اللبيبة، على مصراعيه، لا سيما مع تشدد الكرملين بشروطه الأخيرة إبان توقيع إتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في إدلب، وهي ذات الشروط التي تلقفها الكرملين من القصر الجمهوري في دمشق، لجهة تأكيد وضمان تنفيذ وإلزام الجانب التركي، بتفاهمات أستانا ومخرجات سوتشي، وأهمها ضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية، وهو ما قد يؤكد أن التركي سيركز جهوده على الجبهة الإفريقية أكثر من جبهة الألم التي أقضت مضاجع الأتراك من جهة حدودهم الجنوبية، وهنا نقصد سوريا بالتحديد.
أما العامل الثاني فهو رسالة واضحة للمنافس الداخلي الليبي، لضرورة أن يستغلوا الوقت، وأن يعلموا أن تركيا لا تدعم حكومة السراج وإنما تساند جماعة الإخوان المسلمين، المتحالفين مع تنظيمات إرهابية متطرفة مثل القاعدة وداعش، ما يؤكد أن السياسة التركية في ليبيا لا تعمل في إطار سياسي واضح، أو صادق مع أي طرف ليبي، والدليل المخيف، هو كذبها، حين قالت إنها تنقل مسلحين سوريين معتدلين، والحقيقة التي ظهرات لاحقاً، هي وصول آلاف المقاتلين العرب والأجانب ممن ينتمون لتنظيم داعش وجبهة النصرة التي تعتبر ذراع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، وعبر طائرات مدنية، للتخفي، ليختم المسماري، هذا المحور بالتأكيد على هشاشة الموقف العسكري لهؤلاء الإرهابيين الوافدين، لكونهم لا يتمتعون بدراية عسكرية كبيرة أو كافية، وهنا نضيف معلومة مهمة، عن هروب العشرات من هؤلاء المرتزقة نحو السواحل الأوروبية، القريبة، بعد أن كان إردوغان قد أغلق في وجههم جميع المنافذ في الحرب السورية، التي دخلت بسببهم عامها العاشر.