قلنا ونقول : أن الطغيان الأمريكي قد طفح كيله ، لذلك كان على التاريخ أن يثأر منه
تدمير البلدان ، وقتل الشعوب ، واستثمار جائر للطبيعة ، واخلال بالتــوازن الطبيعي
فجاء الوباء ليعلن : فشل ، النظام اللبرالي الأمريكي الجشع ، نظام [ دولة الشركات ]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بكل دقة وموضوعية : يمكن ان نصنف واقع البشرية الآن ، في زمن المنظومة الرأسمالية الأمريكية ، [ بزمن التوحش ] ، زمن الحروب ، والأحلاف ، وقتل الشعوب ، وتدمير البلدان ، الزمن الذي قال عنه " فوكوياما " بأنه نظام نهاية التاريخ .
.
إنه زمن استغلال الانسان لأخيه الانسان بأبشع الصور ، وتخفيفاً فلنقل بأنه [ عصر الغابة ] ، لكن بأسنان الصواريخ العابرة للقارات ، والقنابل الهيدروجينية ، التي تقتل الملايين بثواني ، لا بأسنان وحوش الغابة التي لا تفترس إلا عندما تجوع .
إنه نظام" النيو لبرالي " [ دولة الشركات ] ، الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو النظام الذي يعطي للشركات الاحتكارية ، الحق في التحكم شبه المطلق ، بجميع مناحي الحياة الاجتماعية ـــ الاقتصادية حتى السياسية ، في داخل البلاد وخارجها .
ويقتصر دور الدولة فقط على حماية مصالح الشركات داخل البلاد وخارجها من قبل الجيش ورجال الأمن .
لذلك تكون مصالح هذه الشركات هي الأولى بالرعاية ، ولو كان على حساب صحة ، وراحة ، الشعب الأمريكي ، لذلك يصبح المجتمع الأمريكي ــــ وبدون مبالغة ــــ أسير مصالح هذه الشركات .
وبخاصة بعد أن يحصل المواطن الأمريكي مضطراً على قرض من البنوك ، لمتابعة تعليمة ، وتأمين سكنه ، وأموره الصحية ،عندها يصبح المواطن مديناً فعلياً لها طوال حياته .
ولكن تترك للمواطن بعض الهوامش الحياتية الأخرى ، التي يتحول فيها الانسان إلى فرد ، إلى شيء يتحرك ، في خضم واقع اجتماعي متلاطم ،
يصبح همه استمرار حياته الفردية ، وممارسة غرائزه ، فتضمر علاقاته الاسرية ، حتى وعلاقاته مع الغير ، لذلك يعيش غالبية الشباب الأمريكي علاقات اجتماعية من خارج الأسرة ، ويمارس حياة بوهيمية .
ولا شأن له في السياسة ، بل ومن خارج اهتماماته مصائر الشعوب الأخرى ، لذلك لا يدرك أن رفاهه الشكلي ، هو من دم وعرق الشعوب ، التي تسيطر عليها دولة الشركات الاحتكارية .
هذا النظام لا يمكن أن يكون نظاماً ديموقراطياً كما يدعون ، بل هو نظام الشركات الاحتكارية ، الذي يتحكم بجميع مناحي الحياة داخل الدولة وخارجها .
لذلك جاء الوباء القاتل ، ليقول لأمريكا لقد فشل نظامكم " النيو لبرالي " نظام [ دولة الشركات ] ، وأثبت هشاشته .
في ذات الوقت الذي أظهر فيه الوباء ، أن الدول التي تعتمد النظام الاشتراكي ، أو الدول التي لاتزال تحتفظ بإرث اشتراكي ، تمكنت من مواجهة الوباء ، لأن الدولة لاتزال تمسك بالواقع الاجتماعي ـــ الصحي ، في بلدانها ، ونراها قد بادرت لمساعدة حتى الدول الرأسمالية المنكوبة ، بعكس مثيلاتها الغربية ، التي أظهرت مدى تفككها ، وفرديتها .
لقد استحضرني في هذا المعرض ، رأي لكل من صاحب العقد الاجتماعي [ جون ديوي ] ، وللمؤرخ الكبير [ برتراند راسل ] ، والفيلسوف [ برغسون ] الذين اجمعوا على قولٍ :
[ أن قيم الشرق ، وحدها القادرة على مساعدة الغرب ، في التغلب على أزمته الفلسفية ــــ الأخلاقية ـــ الحياتية ] .
هذا القول لا يجوز أن يمر بدون التوقف عنده : لا لأنه خرج عن مفكرين منصفين ، بل يجب أن نعتبره اقرار من أبناء الغرب الكبار ، بأن الغرب مأزوم ، والأزمة هنا ليست سياسية ، أو اقتصادية ، رغم انعكاس الواقع العام على المجالين ، بل هو اقرار مبكر
[ بأن الخزين الانساني ــــ الاجتماعي ــــ العاطفي ، الغربي يكاد ينفذ ] .
وهذا الاستقراء المبكر لخطورة المسار الحضاري الغربي ، الذي يسير فيها النظام الغربي بعيداً عن الأنسنة ، التي يفترضها التقدم الحضاري ، أي التعاون ، والتعاضد بين الأفراد في الشعب الواحد ، والتعاون والتعاضد بين الشعوب فيما بينها .
ولهذا القول ( التنبيه ) دلالتين :
الدلالة الأولى :
تخوف من المسار الرأسمالي " اللبرالي الجديد " ، الذي سيقود حتماً إلى قسمة المجتمع الغربي ذاته ، وحتى العالمي إلى فقراء مستغَلين ، وإلى أغنياءٍ مستغِلين ، والمستَغِل يسرق حرية المستغَل ، ويحوله إلى عبد مطيع ، لأن رزقه مرهون بيد الغني ، إن أراد أهلكه ، وإن أراد أطعمه ليتابع عمله ، ويقدم فائض القوة مجاناً لرب العمل .
أما الدلالة الثانية :
بأن قيم الشرق التي ( يتندر ) بها الغرب ، ويصفها بأنها شعوب [ عاطفية ] ، أي يتهمها بأهم قيمة انسانية ، بل هي أرفع القيم ، لأن العاطفة من التعاطف ، أي التوادد ، أي التعاون ، ومن حيث المآل هي غاية الحضارة ، لأن الانسان بدون عاطفة أخوية تجاه الانسان الآخر في معثره ، يسانده عند الحاجة ، ويتعاون معه .
ومن حيث المآل يجب أن تكون العاطفة غاية الانسانية ، فعندما تصل البشرية إلى حالة من التعاطف ، والتوادد ، نكون قد اقتربنا من الغاية الإنسانية القصوى .
.
[ لذلك ولما كان نظام [ دولة الشركات ] الأمريكية ، قد أثبت فشله في مواجهة وباء ، فكيف سيكون وضعه في حالة مواجهة كوارث أكبر ، مما يؤكد أن الدولة الأمريكية تعيش أزمة بنيوية وجودية ، ستنعكس على جميع بناها السياسة والاجتماعية ]