هل تسير العلاقات الاردنية -الصهيونية نحو "الصدام الكبير" ...
الوحدة الوطنية الاردنية الحصن المنيع الذي تتحطم عليه البرامج والاجندات والاهداف الصهيونية السياسية والتوراتية...!.
السؤال الكبير والاستراتيجي الذي يخالج الجميع في اعقاب تصريحات الملك عبد الله الثاني حول"الصدام الكبير" المتوقع اذا ما اقدمت حكومة نتنياهو-غانتس على اتخاذ قرار ب"ضم الاغوار وشمالي البحر الميت للسيادة الاسرائيلية"هو:" هل تسير العلاقات الاردنية -الصهيونية فعلا نحو "الصدام الكبير"....؟!، وما هي الاجندة الصهيونية الحقيقية التي تقف وراء كل هذه السياسات والقرارات الصهيونية العابثة بالوطن والتاريخ وبالوجود العربي برمته...؟!، ثم ما هي الاجندة الصهيونية الحقيقية تجاه الاردن....؟!.
ربما اصبحت الانظار الفلسطينية والاردنية والعربية باتجاه تطورات مشهد العلاقات الاردنية-الصهيونية....!، الجميع بات يترقب هذه التطورات والى اين ستسير....!؟.
في هذا السياق تنطوي ردود الفعل الصهيونية تجاه الموقف الاردني والعلاقات مع الاردن على اهمية كبيرة بل وحاسمة، لاننا نتعامل مع دولة وسلطات احتلال لها مخططات ومشاريع بعيد المدى تطال فلسطين والاردن والمنطقة العربية برمتها..!.
وفي ردود الفعل الصهيونية على تصريحات الملك عبد الله تحديدا التي حذّر فيها من"أنّ ضمّ إسرائيل أجزاءً من الضفة الغربية سيؤدي إلى "صِدام كبير" مع الأردن"، مضيفا خلال مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانيّة "لا أريد أن أطلق التهديدات أو أن أهيئ جوًا للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات-15/05/2020"، فقد واصلت تل أبيب مهاجمة الاردن معلنة"لا قيمةً لتهديدات العاهِل الأردنيّ لأنّه لا يملك أوراقًا لتنفيذها وهو غاضبٌ جدًا على نتنياهو وأوهن حتى من تعليق اتفاق السلام-2020-5-19-، واجمع المُحلِّلون والخبراء والمُستشرِقون في إسرائيل على "أنّ تهديدات العاهل الأردنيّ فارغة ومُعدّة للاستهلاك الداخليّ لإسكات الشارع في المملكة الذي يُعاني من حالةٍ من الغليان ضدّ إسرائيل"، واستخف هؤلاء الخبراء بتهديد الملك عبد الله الثاني، وقالوا في وسائل الإعلام العبريّة "إنّه لا يملك الأوراق التي تجعله التي تُمكِّنه من إخراج تهديداته إلى العلن-راي اليوم-زهير اندراوس-2020-5-19".
وعلى مستوى الجماعات الاستيطانية الارهابية قالت كارولين غليك- عن المستوطنين في"إسرائيل اليوم"2020-5-19"هل ينبغي أن تعطي إسرائيل الملك عبدالله، ملك الأردن، حق الفيتو على نيتها بسط سيادتها على كل الاستيطان الإسرائيلي في "يهودا" و"السامرة" وفي غور الأردن؟، مؤكدة"لا يجب ان نعطي الملك حق الفيتو على قرار الضم"، فيما أعلن مايسمى مجلس المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة عن رفضه ما يسمى بخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام بالشرق الأوسط، والمعروفة إعلاميا بـ "صفقة القرن"، وأفادت هيئة البث الإسرائيلي "كان" بأن القرار يأتي بعد "سلسلة من الاجتماعات التي عقدها المجلس وكان آخرها الأسبوع الماضي"، ولفتت "كان" إلى أن "يشاع" قرر رفض "صفقة القرن" لاعتباره أنها تتضمن موافقة مبدئية على إجراء مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وتضمن لهم "دولة مستقبلية"، بالإضافة إلى أنها تنص على تجميد التوسيع الاستيطاني في البؤر الاستيطانية المعزولة، كما أنه يمنع الحكومة الإسرائيلية من ضم نحو النصف من المنطقة "ج" بالضفة-: 20/05/2020". ويذكر أن مجلس "يشاع" يمثل حركة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ويضم قادة المستوطنين ويعتبر من مجموعات الضغط التي تحظى بنفوذ واسع لدى حكومات بنيامين نتنياهو المتتابعة".
وفي الحقيقة تمتد مساحة الجدل السياسي والاستراتيجي الصهيوني في الرد على تصريحات الملك عبد الله الثاني حول"ضم الاغوار" على المؤسستين السياسية -الاستيطانية من جهة، والعسكرية-الامنية-البحثية من جهة اخرى، فبينما يقود نتنياهو واليمين الصهيوني المتشدد على مستوى الحكومة والاحزاب والجماعات الاستيطانية حملة الضم والتهويد غير آبهين بردود الفعل الفلسطينية او الاردنية او الاوروبية او الاممية، نرى ان تقارير اجهزة الامن والمخابرات المختلفة يضاف اليها تقارير صادرة عن اهم وابرز مراكز ومعاهد البحث والدراسات الصهيونية كلها تحذر نتنياهو والحكومة من مغبة تداعيات قرارات الضم والتهويد على كل المستويات الفلسطينية والاردنية والاوروبية والعالمية، ولكن حقيقية السياسة الاسرائيلية المتعلقة بالاستيلاء على الاراضي العربية وضمها وتهويدها هي كما يجمعون عليها وكما يقودها نتنياهو وطغمته:"ليقل العرب والعالم ما يقولون ولكن القاطرة الاسرائيلية تمضي...".
وفي ضوء هذا المشهد السياسي الصهيوني، يصبح بالتالي السؤال الاستراتيجي الاكثر أهمية: لماذا كل هذ الاستخفاف والاستهتار بل والاحتقار الصهيوني للمواقف الفلسطينية والاردنية والعربية والعالمية-الاوروبية والاممية...؟!.
وهل من الممكن ردع هذا التغول الصهيوني وكيف....؟!.
أسئلة مطروحة برسم الجدل والرد وربما تحتاج الى مراكز جادة للابحاث والدراسات لمعالجتها والرد عليها.
الى كل ذلك، فان هذا الاستخفاف الصهيوني بردود الفعل الفلسطينية والاردنية المحتمله يستند بالاساس الى رؤيتهم واستراتيجيتهم الحقيقية إزاء القدس وسياسات الضم والتهويد واستهداف الاردن ايضا، فالجدل في اروقة الليكود الصهيوني حول "الاردن والوطن البديل" وحول "اسرائيل الكبرى"، يتجدد بين آونة واخرى، وكلما"دق الكوز بالجرة"، وتتعالى الأصوات داخل الليكود مطالبة بالعودة الى برنامج جابوتينسكي "ضفتان للاردن" والذي يعتبر عمليا الاردن جزء مما يسمونها ب"ارض اسرائيل" والتي تشمل فلسطين التاريخية والأردن، وهذه الاصوات ليست يتيمة او منقطعة الجذور والامتدادات، بل هناك مطالب قوية بان تتبنى قيادة الليكود هذا البرنامج كما قال ايتاي هارئيل، مؤسس البؤرة الاستيطانية "مجرون" لموقع "واينت"، موضحا:" ان طريق جابوتنسكي "ضفتان للاردن" هي الطريق المناسبة له ولكن يجب الاهتمام بان تسير قيادة الحزب في هذا الطريق"، ولا يخفي هارئيل، انه موجود في الليكود لكي يؤثر على برنامجه وخطواته السياسية، بكل ما يتعلق بالاستيطان والمستوطنات .
فحينما يصر الليكوديون المتشددون في الخريطة السياسية الاسرائيلية بين آونة واخرى على استحضار شعارهم الجابوتنسكي"ضفتان للاردن"، فان المسألة اذن ليست عفوية، وليست لمرة واحدة، وليست ردة فعل ابدا، بل هي برنامج سياسي معزز بالايديولوجيا الصهيونية والتوراتية، لذلك لم تكن عملية "اقتحام الحدود الاردنية-مثلا- في الثاني والعشرين من كانون اول/2011 على يد مجموعة من المستوطنين المتطرفين" عفوية وبدون مناخات ايديولوجية وسياسية ناضجة، ففي الخلفية كم هائل من الادبيات السياسية والتوراتية التي تزعم ان "الاردن جزء من ارض اسرائيل"، و"ان الدولة اليهودية كان يجب ان تقام على ضفتي الاردن"، و"ان الوقت لم يفت على مثل هذه الدولة"...!
فرئيس الكنيست الاسرائيلي السابق روبي رفلين كان أعلن "أن قيام "دولة إسرائيل على ضفتى نهر الأردن هدف قابل للتحقيق الآن أكثر من أى وقت مضى"، وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت- الثلاثاء 28 / 07 / 2009"ذكرت"إن مراقبين سياسيين فى إسرائيل رأوا أن تصريحات ريفلين تعنى أن تل أبيب تعتبر أرض الأردن أرضا إسرائيلية، وأنه لا يجوز التفريط بها أو التفريط بالضفة الشرقية"، وأفادت الصحيفة "أن تصريح ريفلين كان للرد على رئيس الدولة "شيمون بيريز" الذى قال: "إن أمنية زئيف جابوتنسكى، أحد مؤسسى الحركة الصهيونية، بقيام دولة إسرائيل على ضفتى نهر الأردن أصبحت صعبة التحقيق"، وأكد بيريز خلال الجلسة أن "جابوتنسكى كان يحلم بدولة يهودية على ضفتى نهر الأردن، وأن هذا الحلم كان حلما كبيرا بالنسبة لنا، ربما أكبر من الحياة والزعماء قد يرتكبون أخطاء كبيرة أحيانا"، وفى رده عليه قال رفلين: "إن أمنية جابوتنسكى بقيام دولة إسرائيل على ضفتى نهر الأردن تصلح اليوم أكثر من أى وقت مضى فى تاريخ إسرائيل"، مضيفا بأن "جابوتنسكى لم يكن مخطئا".وكذلك كانت دعوات سابقة صدرت من الكنيست الإسرائيلى لمطالبة الحكومة بعدم "التنازل عن جزء من أراضيها"، معتبرة أن "الأراضى الواقعة غربى وشرقى ضفتى نهر الأردن هى جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل الكبرى".
ونتنياهو يزعم في كتابه "مكان تحت الشمس" مثلا:" أن اسرائيل نفذت سنة 1948 قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الصادر بعد تسعة عشر سنة في تشرين ثاني/نوفمبر 1967، وذلك بتخليها عن الضفة الشرقية لنهر الأردن..وأن هذه الضفة هي حصة الفلسطينيين من فلسطين، تنفيذا للقرار المذكور..؟، ويستحضر نتنياهو الماضي الاستعماري مذكرا أنه قد "تم في فرساي التعهد لليهود بإقامة دولة في فلسطين، وشمل الوطن القومي آنذاك ضفتي نهر الأردن..هذه المنطقة التي تسمى أرض إسرائيل الانتدابية..تشمل أراضي دولتي الأردن وإسرائيل اليوم.."، ويرى أن بريطانيا التي كلفت بالانتداب على هذا الوطن القومي لليهود قد تراجعت عن التعهدات التي أخذتها على عاتقها بموجب وعد بلفور…ففي عام 1922 انتزعت بريطانيا شرق الأردن من الوطن القومي لليهود، وبجرة قلم واحدة انتزع من الأراضي المخصصة للشعب اليهودي ما يقارب 80% من هذه الأراضي، وتم إغلاق شرق الأردن بكاملها في وجه لاستيطان اليهودي حتى يومنا هذا. ص109"، ويزعم:"أن البريطانيين اقتطعوا الأردن من أرض إسرائيل، وقدموه هدية للعرب ليكسبوا ودهم، وبذلك"تقلص الوطن القومي اليهودي إلى ثلث مساحة فلسطين"، ص121".
فالواضح اذن، في ضوء هذا الكم من الادبيات والبرامج والمواقف الاسرائيلية، وهناك غيرها الكثير الكثير، ان استحضار"الوطن البديل" و"ضفتان للاردن"، بين آونة واخرى، وفي قلب الكنيست الاسرائيلي، وفي اروقة اكبر معسكر سياسي حزبي اسرائيلي، هو الليكود اليميني المتشدد الجابوتنسكي، ليست مسألة اعلامية او استهلاكية للراي العام، وانما هي مسالة حقيقية وحاضرة في البرامج والايديولوجيات الصهيونية، وتقف وراءها لوبيات تنتمي وفق احدث المعطيات الى مجالس المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية، التي تطالب على مدار الساعة مدعمة بفتاوى الحاخامات، بالتهويد الكامل الشامل للقدس والضفة، وبالانتقال في مشروع الاستيطان والتهويد الى الضفة الاخرى... الشرقية وفق البرنامج الجابوتنسكي.
ما يعني ان المطامع الصهيونية في الأردن ما تزال قائمة وتتجدد بقوة، وقد لا يكون ذلك اليوم الذي تصبح فيه هناك اغلبية صهيونية تطالب باجتياح الضفة الشرقية ببعيد، اذا لم يستيقظ الفلسطينيون والاردنيون والعرب، ما يستدعي وحدة وطنية فلسطينية اردنية حقيقية على الارض، وحدة واعية ناضجة في مواجهة الاطماع والمشاريع والتهديدات الصهيونية المتصاعدة، وفي مواجهة مشروع الوطن البديل، و"ضفتان للاردن"، وحدة تسقط تلك البرامج التي توظف"الوطن البديل" كفزاعة تعمق الهوة والتفكك بين الفلسطينيين والاردنيين، فالتناقض الحقيقي مع المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الذي يتطلع للتمدد شرقا.
ونعتقد بقناعة راسخة ان الوحدة الوطنية الاردنية تبقى الحصن المنيع الذي تتحطم عليه البرامج والاجندات والاهداف الصهيونية السياسية والتوراتية.
نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com



