على مدار العشر سنوات الماضية ومنذ انطلاق العدوان على ليبيا العربية, ونحن نتابع الوضع الداخلي, ونقوم بتحليل المشهد السياسي, ونضع تصورات لتطور الأحداث, ولم تخلف توقعاتنا مرة واحدة, لأننا نتعامل مع الواقع بعيدا عن الخيال الايديولوجي, فنحن لا نرسم سيناريوهات مستندة إلى الأحلام, بل تأتي كل السيناريوهات التي نرسمها بناءً على قراءة موضوعية للواقع وأحداثه, ففي الوقت الذي كان الجميع يقول أن ما يحدث في ليبيا العربية ثورة ضمن موجة الربيع العربي المزعوم, كنا نؤكد عكس ذلك تماماً ونقول أن ما يحدث على الأرض العربية الليبية هو مؤامرة كبرى ضمن مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي رسمه العدو الأمريكي وحلفائه بهدف إعادة تقسيم وتفتيت الوطن العربي على أسس طائفية ومذهبية وعرقية, ضمن محاولات استمرار نهب ثروات الأمة العربية.
وكانت رؤيتنا تستند إلى الواقع وليس الخيال, فكل مقدمات ودوافع الثورات لم تكن متوفرة في الحالة الليبية, ذلك المجتمع القبلي كبير المساحة قليل السكان والذي يمتلك ثروات نفطية هائلة, كانت كافية لجعل سكانه في حالة اقتصادية واجتماعية مستقرة وآمنة, وفي ذات الوقت كان لديه قيادة وطنية تاريخية تمكنت من الوقوف في وجه القوى الإمبريالية العالمية, وأطلقت خطاباً سياسياً متحدياً لهذه القوى, وسعت بكل قوتها إلى مشروع قومي عربي لمواجهة الهيمنة الإمبريالية, وفي وقت لاحق توجهت للمحيط الإقليمي الإفريقي وشكلت نواة مواجهة القوى الإمبريالية العالمية عبر الإتحاد الإفريقي لوقف نهب ثروات القارة الغنية بالموارد الطبيعية.
لذلك أصبحت القيادة السياسية الليبية مصدر إزعاج للقوى الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ويجب التخلص منها بأي ثمن, وبالفعل عندما بدأت موجة الربيع العربي المزعوم كانت قوات حلف الناتو جاهزة لخوض العدوان على ليبيا العربية, واتخذت كل الإجراءات التي تسمح بشرعنة العدوان عبر المنظمات الدولية والإقليمية, والتي بدورها سمحت بالعدوان, فتم قصف ليبيا العربية بوحشية على مدار ثمانية أشهر كاملة, حتى تمكنت من اغتيال قائدها الذي كان يقف حجرة عثرة في طريق تحقيق أحلام القوى الإمبريالية العالمية.
ودخلت ليبيا في أزمة كبرى, وفراغ سياسي, واحتلال من قبل قوات أجنبية, هذا بخلاف جلب مليشيات مسلحة من المرتزقة جاءت من كل أصقاع الأرض لممارسة التكفير والإرهاب على الأرض العربية الليبية, وخلال سنوات الأزمة قامت قوى العدوان بتزييف وعي الرأي العام العربي والعالمي عبر الآلة الإعلامية الجهنمية الجبارة التي يمتلكونها بأن ما يحدث هو ثورة شعبية من أجل الحرية تحولت لحرب أهلية وأن المجتمع الدولي المزعوم الذي تقوده قوى العدوان يسعى لحل الأزمة وإنهاء حالة الصراع.
لكننا كنا طوال الوقت نؤكد على أن ما تقوم به القوى الدولية ليست محاولات لحل الأزمة بقدر أنها محاولات لتعميقها واستمرارها لأن هذه القوى ليست من مصلحتها حل الأزمة وإنهاء حالة الصراع وعدم الاستقرار, فهي الصانع الحقيقي للأزمة وهى المستفيد الوحيد من استمرارها, فعلى مدار العشر سنوات الماضية تحولت ليبيا لكعكة كبيرة يتم تقسيمها بين هذه الأطراف والقوى الدولية, حيث استولت هذه الأطراف والقوى على الثروات النفطية المملوكة للشعب الليبي, وبالطبع أي محاولة لحل الأزمة الليبية تعني أن هذه الثروات المنهوبة سوف تعود مرة أخرى لسيطرة الشعب العربي الليبي.
وعندما جاء مشهد الانتخابات الليبية الذي قرر له الرابع والعشرين من ديسمبر الحالي, عبر اجتماعات واتفاقات للقوى الدولية في بعض العواصم العربية والأجنبية أكدنا أن هذا المسار لا يمكن أن ينتج عنه حل للأزمة الليبية, وعندما اقترب موعد الانتخابات وصفناها بالعبثية, والأسبوع الماضي وقبل يومين من الانتخابات قلنا أنها مهزلة ولن تكتمل, وكانت رؤيتنا وقراءاتنا للواقع الليبي تقول أن الوضع معقد للغاية ولا يمكن إجراء انتخابات في ظل وجود مليشيات مسلحة وأن الانتخابات ستكون برائحة الدم, وقد صدقت توقعاتنا وتم الإعلان عن فشل الانتخابات وتم تأجيلها.
وبعد أن صدقت توقعاتنا لابد من العودة مرة أخرى لخارطة الطريق التي حددناها منذ فترة طويلة, والتي تقول أن أي محاولة مخلصة لإنهاء الأزمة الليبية لابد وأن تبدأ بعيداً عن سيطرة وهيمنة القوى الإمبريالية العالمية, التي خططت ونفذت العدوان على ليبيا من الأصل, ولابد أن تكون الرعاية عربية بالأساس, خاصة من الدول التي يتهدد آمنها القومي باستمرار الأزمة الليبية ( مصر – تونس – الجزائر – المغرب ), والخطوة الأولى للحل تكون بمصالحة وطنية شاملة لكل المكونات الاجتماعية والسياسية للمجتمع الليبي, وتتمثل الخطوة الثانية في تشكيل جيش وطني ليبي موحد تكون مهمته الأساسية مواجهة المليشيات التكفيرية الإرهابية المسلحة التي تعمل بالوكالة على الأرض العربية الليبية, وعندما يتم تجفيف منابع الإرهاب تبدأ الخطوة الثالثة لخارطة الطريق حيث يتم إعداد دستور للبلاد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية, وبذلك تخرج ليبيا من أزمتها الراهنة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.