كتب نارام سرجون: التنف وشرق الفرات تدعوكم لزيارتها.. ماذا ننتظر؟ معارك بين الحروب في انتظار تحرير كل شبر من أرض سورية.
مقالات
كتب نارام سرجون: التنف وشرق الفرات تدعوكم لزيارتها.. ماذا ننتظر؟ معارك بين الحروب في انتظار تحرير كل شبر من أرض سورية.
نارام سرجون
9 كانون الثاني 2022 , 14:01 م


رُبّما كانت كل قطعة أرض هي أولوية الأولويات .. لا أدري من هو ذا الذي يُقسّم الجغرافيا إلا عدو الجغرافيا؟؟

فمن قسّمنا إلى مزارع هما سايكس وبيكو .. ولكن الأرض مثل الجسد لا تقبل التقسيم .. وكل عضو ينفصل عن الجسد يموت .. الأرض تضحك علينا عندما نمُرُّ عبر الحدود فنعبُر من المشيمة إلى المشيمة ونحن نظن أننا ندخل جسدا أخر ..

لذلك فبالنسبة لي فإنّني مؤمن أن الأرض التي أسير عليها يجب أن استحقّها بدمي .. وإلا ما الفرق بيني وبين أي جندي مُستعمِر أو مُحتل؟

إن الوطني الذي يؤمن بخطوط التقسيم وينسى بعضا من أرضه ويقبل بالحدود هو نوع آخر من المُحتلّين .. وهو مثل أي جندي من جنود الاحتلال .. لأنه لا يستحق الأرض التي يعيش عليها طالما أنه لا يدافع عنها .. ومن يعِش على أرض لا يستحقّها سيكون مُحتلّا لها سواء وُلِد عليها أو دخلها على متن دبابة ..

ولذلك فإن إدلب بالنسبة لي هي بأهمّية المنطقة الشرقية .. والمنطقة الشرقية بأهمّية التنف .. والتنف تساوي لواء اسكندرون .. ولواء اسكندرون يساوي فلسطين وفلسطين تساوي الجولان .. والجولان يساوي لبنان .. ولبنان يساوي إدلب .. وهكذا كل قطعة أرض تأخذني إلى قطعة تُضاهيها في القلب إلى أن أعود إلى نقطة البداية ..

هكذا هي أراضينا مثل نقاط الدائرة .. وليس لنقطة أن تكون أقرب من الأخرى إلى قلب الدائرة، وكل نقطة هي بداية الدائرة وهي نهايتها في نفس الوقت .. والأرض مثل الدورة الدموية كلها تخرج من القلب وتعود إلى القلب ...

ولكن في الحروب نختار نقطة على دائرة الوطن تكون أقرب إلى قلب عدوِّنا وليست الأقرب إلى قلبنا .. ولذلك فإن السؤال اليوم هو أين يجب أن تبدأ عملية تحرير الأراضي السورية المُحتلّة طالما أن كل مدننا وأراضينا غالية على قلوبنا ونريدها كلها .. كلها يعني كلها، ولكن من أين تبدأ معركة التحرير؟ .. من إدلب أو من المنطقة الشرقية أو من التنف ..

من وجهة نظري فإن إدلب تحتاج عملا عسكريا وجراحة أخيرة استئصالية .. والجيش السوري لا يزال يملك اليد العُليا في تلك النقطة، فالأتراك منذ معركة حلب تبيّن أنهم لا يقدرون على تغيير مسار الحرب إذا وقعت أي مواجهات عنيفة .. وقد تدخّلوا بكل ثِقلهم ودعمهم في معركة حلب التي خسروها رغم أنهم سهّلوا عملية قتل السفير الروسي في تركيا انتقاما لهزيمتهم ..

ومنذ معركة حلب أيقنتُ أن تركيا ليست مُستعدّة للمواجهة وتأكّد هذا اليقين عندما قتل الجيش السوري خمسين عسكريا تركيا في إحدى الغارات .. واهتزّت كل تركيا من هذه الفاجعة .. وكانت الخُلاصة أنّ المجتمع التركي جاهز لقبول مشروع امبراطوري عثماني ولكنه ليس جاهزا لدفع الثمن، وهذا ما جعل أردوغان يستنجد بالرئيس بوتين لوقف المعركة بدل أن يأخذ دم الأتراك مثل قميص عثمان ويُعلّقه في استانبول ويُحرّض على الثأر والانتقام ..

ولو كانت هذه الفرصة مُتاحة لما وفّرها لكنه أدرى بمزاج الأتراك الذين وجدوا أنّ هذه المغامرة تعني حربا ضد سورية وروسيا وإيران وحزب الرب لا أحد يعرف كيف ستنتهي .. ومن سيخوضها معهم ..

ولذلك فإنّني على يقين أن إدلب تنضج بهدوء وستسقط في أول فرصة وبشكل مفاجئ جدا لكل من يظن أنّها لا تزال بعيدة وأنها منسيّة في أحضان الوحش الإره*ابي.

ولكن النقطة التي هي أقرب إلى قلب العدو الأمريكي هي في التنف والمنطقة الشرقية .. وهي التي تؤجّل استرداد إدلب .. لأن كل ثِقل الحرب مُتّكئ عليها إلى أبعد الحدود هذه الأيام لأن المنطقة الشرقية يعمل الأمريكي فيها على تحويلها إلى الخراج الكبير المُتقيّح الذي تنتشر فيه الغرغرينا في كل الجسد .. لأنه يقتل المشاريع الحيوية ويقتل الزراعة ويقتل العشائر العربية ويُشتّتها ويشتريها ويبيعها بأموال عربية ..

ولكن نقطة الارتكاز الأمريكية هذه هي لكنها أكثر النقاط ضعفا على الإطلاق .. ويجب ألّا تتأخّر عملية إطلاق حرب العصابات بالذات على القوات الامريكية .. بدل الاكتفاء بقطع الطرقات على تلك القوافل والدوريات ..

هذه دوريات تسير في أرض لنا وفي قُرانا وفي جغرافيتنا .. وكما كانت طُرقات العراق مزروعة بالألغام فإن كل طرقات الجزيرة التي تسير عليها هذه القوافل والدوريات يجب أن تُزرع بالألغام ..

فليس من الطبيعي على الإطلاق أن يجوع الشعب السوري وهو يرى قمحه ومحصوله أمام عينيه يُباع في تركيا وفي كردستان فيما نحن ننتظر حصصا غذائية وبطاقة تموينية ..

ومن غير الطبيعي أن نعيش أزمة وقود ومحروقات فيما النفط والغاز السوري يستريح حوله الجنود الأمريكيون ويشربون البيرة ويلعبون الورق والقمار وكأنهم في لاس فيغاس فيما قوافل النفط السوري المسروق تمر أمام عيوننا كمن يرى دمه ينزف ..

أمّا نحن فننتظر حُصّتنا النفطية الشحيحة .. وتبرد عائلاتنا .. وتتوقّف معاملنا .. ونأكل طعامنا باردا .. حتى أننا نسينا مذاق الشاي والقهوة الساخنة ..

اليوم هذه فرصة ثمينة لا يجب أن ننتظر فيها أي تفاهمات وعلينا أن نخوض معركتنا لأنها معركتنا نحن وأرضنا نحن .. والعدو ليس في وضع يجعله يتحمّل الخسائر المتتالية .. خاصة أن الإقليم بدأ يتحرك ..

وها هُم الأمريكيون والإسرائيليون والأتراك يُحرّكون الإقليم لإزعاج روسيا .. وهم ينقلونها من مواجهة إلى مواجهة .. مرّة في أوكرانيا ومرّة في كازاخستان وربّما في داخل روسيا في مرحلة لاحقة ..

وهناك في كازاخستان من الواضح أن التفاهمات الروسية الأمريكية بدأت بالتآكل .. وعندما تتآكل التفاهمات بعيدا علينا أن نختار الوقت المناسب لنا كي نبدأ بقضم التفاهمات على أرضنا ..

وهذه فرصتنا لإقلاق الأميركيين الذين صار واضحا أنهم ليسوا في حالة هدنة مع الروس بل في حالة هجوم متواصل .. إلا في سورية فإنهم يحترمون الهدنة .. فهناك استراحة في الجبهات منذ 22 شهرا .. وصار الوقت مناسبا جدا لإنهاء حالة الهدنة .. وإقناع الحلفاء أن توقيتنا لإنهاء الهدنة مناسب جدا لنا جميعا ..

فروسيا المتضايقة من تحرّشات الناتو ببطنها الآسيوي تستشعر أن أصابع أمريكا في سورية يجب أن تلسعها النار ..

نحن من سيُشعل النار في أصابعها لأننا أصحاب مصلحة حقيقية في حرب التحرير بغض النظر عن أطراف الهدنة أو الصراع الإقليمي ..

ولسنا مضطرين لخوض أي معركة كبيرة ضد أمريكا .. ولكن كما أطلق الإسرائيليون على غزواتهم بالغارات على أرضنا مُصطلح (معارك بين الحروب) فإن علينا اقتناص هذه الفكرة العسكرية وإطلاق معارك بين الحروب التي نخوضها ..

وهذه المعارك هي المعارك الشعبية وحرب العصابات بحيث أن حرب العصابات التي يقوم بها الناس والتي بدأت بالانطلاق لا يمكن أن تواجهها أمريكا التي تخشى من أن اي عنف من قِبلها سيُثير الناس ويشحنهم بالغضب وستغرق في حرب انتقام عبثية لم تنفعها يوما ..

واذا كان عدد الجنود الاميريكيين في الشرق السوري يقدر بألفي جندي أو أكثر فإننا نحتاج إلى تحويل 200 منهم إلى نعوش وهذا سينهي معركة شرق الفرات ..

وأما الانفصاليون الكُرد فإنهم أقل شيء في هذه المعركة لأنهم مجرد عملاء .. والعملاء تنخلع قلوبهم عندما يصبحون بلا سيّد .. سيبحثون عن السيّد الجديد ليكونوا عبيدا له ..

إن العدو يخدمنا كلّما تصرف بعدوانية وحماقة .. فسلوكه في كازاخستان وأوكرانيا سيزيد من أهمية هزيمته في سورية على عكس ما يعتقد أنه سيُرغم الروس على القبول بمعادلة يحاول فرضها عبر تثبيت الأمر الواقع ..

بينما نحن من يجب عليه أن يجد أن معركة التنف والجزيرة بدأت في كازاخستان .. نحن من نقودها .. وسيتبعنا الروس فيها .. بدل أن ننتظرهم ليبدؤوها ..

فنحن من أوحى لروسيا بأن الغرب وحش من ورق عندما سحقنا أمريكا وإسرائيل في العراق ولبنان .. ورأت روسيا أنّنا أيضا قادرون على أن تكون لنا قوة الصدمة والروع التي أرعبت الأميركيين والإسرائيليين ومن دون روسيا ..

وهنا خرجت روسيا في إثرنا تبحث عنّا وتتحالف معنا .. واليوم .. نحن من يجب أن نقود المعركة .. وستلحق بنا روسيا كما لحقت بنا وسارت في أثرنا نحو الانتصارات ..

إن الشعوب التي تّحارب هي الشعوب التي تُلهِم الأمم .. وتُغيّر النظريات .. والأولويات .. وهذا ما يُدركه جيدّاً الرئيس بشار الأسد كما يُدركه أبو هادي.

"نارام سرجون"