في اسكتش مهضوم من الزمن الجميل لتلفزيون لبنان، تسأل الزوجة زوجها الجالس على كرسي هزاز عدة أسئلة محرجة بشأن غيابه عن البيت...
يدعًي صاحبنا عدم إمكانية السمع، وبالتالي عدم إمكانية الإجابة، واضعاََ كل اللوم على الكرسي المسحورة تلك...
تغضب الزوجة من هذه الحجة الواهية...
تجلس بدورها على الكرسي لإثبات كذب ادعاء الزوج...
يقوم الزوج بطرح عدة أسئلة حول المصروف وحول حماته، فلا تستطيع الزوجة الإجابة...
في النهاية، تتفق مع زوجها أن الكرسي فعلا "مسحورة" وتمنع الجالس عليها من حاسة السمع...
يبدو أنه، بقدرة قادر، إنتشر نوع الكراسي هذه في كل العالم العربي، ليس فقط في مجالس الحكم، وعند علية القوم؛ بل عند كل الناس... من أكبر رأس على رأس دول الموز العربية، إلى أبسط مواطن في اية زاوية من هذا العالم العربي الكبير بحجمه، المأزوم بجوهر وجوده...
ميزات أخرى كثيرة، اكتسبتها هذه الكراسي غير إفقاد الناس حاسة السمع، يمكن تلخيصها بكلمة واحدة...
فقدان الأخلاق
إنما الأمم الاخلاق ما بقيت، بقوا،
فإن هي، ذهبت أخلاقهم، ذهبوا...
"قول رحلوا... قول تشردوا.."
انتشار هذا النوع من الكراسي لا يقتصر على قليلي الذمة والدين، بل يصل إلى أولئك الذين يقسمون أغلظ القسم بسيرهم على السراط المستقيم...
هل يصلي محمد بن سلمان ويصوم ويتعبد لله تعالى قبل الغارة على اليمن، أو قبل إرسال الدواعش إلى العراق وسوريا، أو قبل التغول في دم الفلسطينيين، أو قبل حرمان اللبنانيين من أرزاقهم... أم يجري التعبد بعد كل تلك الآثام اللعينة...
هل يجاري أبناء زايد وخليفة ومن لف لفهم ابن سلمان في تلك العظمة الساقطة العاهرة قبل الصلاة أم بعدها...
لطالما كنت اسأل نفسي، عن انحطاط عظيم ما ورث كرسي العلى في شعبه، وكاد الناس يسمونه إماماً خالداََ للأمة، فإذا به يبيع في تجارة خاسرة كل ذلك المجد بحفنة من ملايين أعداء الأمة وأعداء الدين...
من يجلس على تلك الكرسي الهزاز لا يسمع خوار أمعاء الفقراء، ولا صوت عدالة تستغيث...
كل همه، مزيد من جمع الأموال التي لا تأكلها نيران الدنيا، ناسياً أنه لم يعد في نظر شعبه سوى نسخة أخرى من نسخ الرذيلة والعار والعهر الحاكم...
تستوي دول في هذا المقام كما يستوي الأشخاص...
ها هي دولة الكويت التي اشتهرت يوما في غابر الزمن بعشقها للعروبة وفلسطين...
تتحول بين يوم ويوم إلى قواد جديد لصفقة قرن يظن الكثيرون انها دُفنت قبل أن تولد، ويجهلون أن اميركا والصهيونية العالمية لا تعدم لا تعدد الخطط ولا تعدد الكلاب الجاهزة لخدمة الإمبريالية...
في فلسطين، يتم النيل من الأحرار واحدا تلو الآخر، ويتم قضم ما تبقى من الأرض، والأعراب تجلس على كراسيها ولا تسمع لا صراخ القدس في الشيخ جراح أو في سلوان، ولا تسمع بيتا، ولا النقب...
أنها كراسي الطرش الطوعي لمن يسبح ليلا نهاراً باسم اميركا...
ألم يخرج بعض الكويتيين الى الشوارع يصرخون "بوش أكبر، بوش أكبر..."... بعد هزيمة وانسحاب الصنيعة الأخرى، صدام حسين من حفرة حفرتها له الإمبريالية الأميركية ووقع هو فيها بكل بلاهة كما وقع الكثيرون ممن لا يزالون يمشون على هوى اميركا وإسرائيل...
في سوريا، كما العادة، تم التصدي وإسقاط معظم الصواريخ قبل أن تبلغ الهدف واقتصرت الخسائر على الماديات...
هؤلاء الناس لا يرون إلا الماديات لأن الكرامة والشرف والعزة لا اعتبارات مادية لها، بنظرهم طبعاً...
إن يرد اليمنيون على النار بالنار، وإن تزلزل الأرض تحت أقدام اولاد الكلب في الجزيرة العربية لا يعني شيئا لهؤلاء في بلاد الشام...
سوف نظل نحاول عدّ الصواريخ الإسرائيلية، ومحاولة إسقاط اكبر عدد ممكن منها قبل الوصول الى الهدف!!!
كل ذلك لأن الحليف الروسي الغليظ لا يوافق على قصف تل أبيب رداً على قصف دمشق...
لا تريد القيادة السورية التعلم من أهل اصل العرب في اليمن...
المسألة ليست في القدرة، المسألة هي في الإرادة الحرة...
النار بالنار ولو احترق العالم...
نحن لسنا في موقع استيعاب الضربات، نحن نريد الرد بالمثل...
إذا امتلكنا الإرادة، لن نكون أضعف من إيران، ولا نحتاج إلى ضرب قاعدة عين الأسد والكلاب موجودون في التنف وفي المناطق التي تسيطر عليها قسد التي يغادر قادتها إلى موسكو عن طريق مطار دمشق...
في اي عصر عهر نعيش؟
ما أبخسها من حياة وما غلاه أن تموت شهيدا...
في لبنان...
الرؤساء والوزراء والنواب والحاكم بأمر المال كلهم يجلسون على كراسي قلة السمع، وقلة الأخلاق بكل تأكيد...
يخرج فرمان جديد كل يوم يذكر الناس بفرمانات الباب العالي قبيل سقوط السلطنة وانهيار الإمبراطوية العثمانية بعد خمسمائة سنة من استعباد الناس والقوميات والحكم الظالم باسم الدين...
في لبنان، يبتدعون كل يوم دولارا جديدا...
دولار الدعم، دولار الخادمات في المنازل، دولار الطلاب، دولار الجمارك، دولار التجار على منصة صيرفة، دولار استعباد الناس على منصة ١٥٠٠، كي لا تضطر السلطة إلى معالجة سلم الرواتب...
كلها دولارات استمرار النهب وتغطية الخسائر على حساب أكثر الطبقات الشعبية فقرأ...
تدور الحرب بين محورين...
في سياسة المحاور هم أعداء..
أما داخل لبنان...
لا احد يتجرأ على اتخاذ الخطوة اللازمة...
المشكلة ليست في سلاح حزب الله كما تعوي الكثير من الأبواق...
ليس سلاح حزب الله هو من يمنع السلطة من إلقاء القبض على رجال النهب المنظم...
ليس سلاح حزب الله الذي يمنع القضاء من إصدار الأحكام بالسجن على كل طبقة اللصوص، حيث معظم هذه الطبقة هم من اعداء حزب الله...
ليس سلاح حزب الله هو من يمنع السلطة من بناء معامل الكهرباء...
ليس سلاح حزب الله هو من يمنع اتخاذ قرارات فورية جذرية برفع الشطور الدنيا من سلم الأجور إلى مستوى الحياة الإنسانية اللائقة، وتجميد الرواتب في الشطور الوسطى والعليا، حتى انفراج الأزمة...
أليس هذا ألف باء الاقتصاد في زمن الأزمات؟
في لبنان، الكل يسرق من الكل،
ثم تأتي السلطة وتسرق الجميع...
في لبنان، الغني يسرق الفقير، والفقير يسرق الذي هو أفقر منه،
في لبنان، وحده الغني هو من لا يجرؤ أحد على سرقته، بل تزداد ثروات الاغنياء غنى لأن قوت الفقراء وعرق جبينهم بايدي هؤلاء الاغنياء، وهم الذين يقبضون على كل السلطات، ويضعون القوانين التي تلائم سرقاتهم ورمي بعض الفتات إلى الكلاب الداشرة لإسكات المجتمع ومنع الثورة...
البلد يحتاج إلى قائد نظيف...
والقائد النظيف الوحيد الممكن لا يجرؤ على الدخول في لعبة السلطة...
المعطيات... دائما هناك معطيات...
الأميركيون، الخليجيون، لصوص الخارج، لصوص الداخل...
الحجة جاهزة دوما لعدم الفعل في زمن أكثر ما يحتاج الوطن والناس فيه إلى الفعل الحازم الجازم باسم الوطن والمجتمع والله والناس...
في الجهة الأخرى، في المحور الآخر... يجلس جمع ممن هب ودب...
تسأل حزب القوات اللبنانية ومن لف لفه، فإذا كل همه سلاح حزب الله...
هكذا جاءت الوصفة الطبية من الممول الأميركي الخليجي...
لا احد في المحورين يريد حل الأزمة...
لكل أسبابه...
هل هو العجز... هل هو الخوف من الفتنة، هل هو وصول الانحطاط الأخلاقي الى كل المستويات... وعند الجميع...؟
السفينة ماشية والرب راعيها...
ما هي حكمة الرب من حدوث هذا الانهيار...؟
ربما لافساح المجال كي يصلح التاريخ ما أفسده العطار...
كل ثورة وانتم بخير...
كل حرب وانتم بخير...
أو، كما يبدو، كل لبنان لصوصية، وانتم بخير...