ما بين هدهد درويش وهدهد حزب الله
مقالات
ما بين هدهد درويش وهدهد حزب الله
أحمد أشقر
22 حزيران 2024 , 20:00 م


كتب الأستاذ أحمد أشقر:

أطلق حزب الله على مسيّرته التي قامت بتصوير المنشأت التي قد يستهدفها في أية مواجهة شاملة مع <إسرائيل> في المستقبل اسم- الهدهد. أعتقد أن الحزب استعار الهدهد ورمزيته من القرآن (سورة النمل والتراث الإسلامي السني والشيعي. والهدهد هو أحد الشخوص قي قصة ملكة سبأ، بلقيس، وسليمان في التراث الإسلامي. فهذا التراث الذي أجّلّ سليمان كثيراً قبّح صورة بلقيس إلى أبعد الحدود- تفسير الطبري على وجه الخصوص. في هذا السياق، نتذكر المرحوم زياد منى الذي درس بلقيس بجدارة وحصافة فكريّة راقية وكان موفقاً جداً بتقويم صورتها استناداً على المصادر التاريخيّة والمدونات التراثيّة في كتابه الهام بلقيس: امرأة الألغاز وشيطانة الجنس 1998، بأسلوبه الأدبي الراقي والعذب. في هذا النصّ القصير سألقي نظرة سريعة على رمزية الهدهد في اليهودية والصراع الدائر حاليّاً في المنطقة.

يعتبر الهدهد طيراً ذا رمزية إيجابيّة عالية في اليهودية، رغم أنه طائر نجس لأنه يصطاد الأسماك بمنقاره ويأكلها. إلا أن رمزيته الإيجابية تنبع من الأسطورة القائلة بأن الهدهد الذي أسهم ببناء حجارة هيكل، بدقها وتجهيزها لبنائه. وأن الهدهد قادر على تفكيك أقسى المعادن بما فيها الماس (التلمود البابلي، حولوت/ ما هو عادي 73: 61).

هذه ليست المرّة الأولى، بحد علمي، التي تتم فيها استعارة الهدهد في سياق الصراع العربي- اليهودي؛ فقد استعاره الشاعر محمود درويش في قصيدته "عابرون في كلام عابر" التي أغضبت الحكومة والإعلام الإسرائيلييّن مع بدء الانتفاضة الأولى سنة 1987- لأنه ذكر فيها: "

"فخذوا الماضي، اذا شئتم الى سوق التحف

وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد، ان شئتم

على صحن خزف

لنا ما ليس يرضيكم، لنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل

ايها المارون بين الكلمات العابرة

كدِّسوا اوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا".

". فهذا المقطع الذي يذكر الهدهد تحديداً هو التي أثار غضب رئيس الحكومة آنذاك، (شمير)، الذي قرأها على النحو التالي: لم يعد ينفع <إسرائيل> واليهود شيئاً حتى ولو استعادوا الهدهد. فالفلسطيني عازم على زوال دولتنا وربما زوال تاريخنا وتراثنا أيضاً.

في خضم الغضب الذي أعلنته دولة إسرائيل على هذه القصيدة، أعلن درويش أنه مستعد لتفكيك القصيدة إذا قامت إسرائيل بتفكيك المستوطنات. هنا علينا أن نشير إلى أن درويش لم يضمّ هذه القصيدة ضمن أي من دواوينه أو كتبه التي تجازوت الثلاثين. في إحدى المقالات التي كتبتها في السجال الذي دار على خلفيّة صدور كتابي التوراتيات في شعر محمود درويش: من المقاومة إلى التسوية 2005، كتبت عندما شكى درويش لعضو الكنيست محمد وتد (عن المبام ثم الجبهة) أن <إسرائيل> قد تقوم باغتياله، فنصحه وتد بكتابة قصيدة "صلحة". وفعلاً قام درويش- وهذا تقديري الراسخ- بنسخ القصيدة بأخرى، على حجر كنعاني في البحر الميت، في ديوانه لماذا تركت الحصان وحيدًا 1995 التي يقول فيها:

"علّق سلاحك فوق نخلتنا يا غريب، لأزرع حنطتي

في حقل كنعان المقدس.. خذ نبيذًا من جراري

... وقسطًا من طعامي

... خذ

صلوات كنعانية في عيد كرمتها..."

ويضيف: "فيا غريب...

أوقف حصانك تحت نخلتنا!

على طريق الشام

يتبادل الغرباء في ما بينهم سينبت فوقها

حبق يوزعه على الدنيا حمام قد يهبّ من البيوت".

ويضيف في ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدا؟"، مخاطبا العدو الذي أصبح "غريب" قائلا:

"سّلِّم على بيتنا يا غريب.

فناجين

قهوتنا لا تزال على حالها. هل تَشُمُّ

أصابعنا فوقها؟ هل تقول لبنتك ذات الجديلة والحاجبين الكثيفين إنَّ لها

صاحباً غائباً، (لماذا تركت الحصان وحيدا).

و:

"... لن تنتهي الحرب ما دامت الأرض

فينا تدور على نفسها!

فلنكن طيبين إذاً. كان يسألنا

أن نكون طيبينَ. ويقرأ شعرًا

لطيار "ييتْس": أنا لا أحب الذين

أدافع عنهم، كما أني لا أعادي الذين أحاربهم...".

و كي يقنع الفلسطيني بأن لا طائل أو فائدة من نضاله يقول:

"[...]: وهل كان ذاك الشقي

أبي، كي يحمّلني عبءَ تاريخه؟".

و:

"الشعر سلّمنا إلى قمر تعلقه أنات [عنات]

على حديقتها، كإمرأة لعشاق بلا أمل،

[...]

وأنات تقتل نفسها

في نفسها

ولنفسها".

قتل الغريبُ هدهد درويش بالسلاح، ولا يزال يواصل شرب النبيذ تحت النخلة! لكن "سيد الطيور" لا يزال يحلق في سماء حيفا وسائر الجليل.

Badi Badwan 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري