حتى الآن، تقف أميركا وروسيا والصين على الخط الفاصل بين الغالب والمغلوب...
الصين تنتظر دون مشقة ولا اية تكلفة انتصار روسيا، حتى تكون هي من بين الدول الغالبة...
انتصار روسيا في هذه المواجهة يعني تلقائيا أن تايوان سقطت وعادت إلى الصين... ﴿ تتهم اميركا الصين بالتحضير لغزو تايوان)...
روسيا التي تلقت الصفعات، الواحدة تلو الأخرى، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتبوء المخمور بوريس يلتسين الحكم؛ قررت منذ أن استلم فلاديمير بوتين رئاسة الحكومة الاولى أثناء الحرب الشيشانية؛ قررت فرملة انهيار الدولة الروسية التي كانت تجري على اكثر من جبهة...
من جهة، كان الغرب يضغط باتجاه تقسيم روسيا عبر استخدام المقاطعات الإسلامية ذات الحكم الذاتي التي كانت تطالب بالانفصال...
على رأس قائمة هذه المقاطعات، كانت جمهورية الشيشان مع جوهر دودايف...
المسلمون الروس الذين يشكلون حوالي ١٥-٢٠٪ من مجموع سكان روسيا يستطيعون لعب نفس الدور المخزي الذي لعبه المسلمون في الهند مع محمد علي جناح غداة الاستقلال، حين دفعت بهم بريطانيا إلى الإنفصال وتأسيس دولة باكستان من أجل ضرب الحركة الوطنية الاستقلالية في شبه القارة الهندية...
منذ ذلك اليوم، وباكستان تلعب دورا وظيفيا في خدمة الإمبريالية، تماما كما ممالك وجمهوريات الموز العربية...
من جهة أخرى كان يجري تهييج الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة جنوب روسيا، وجمهوريات بحر البلطيق في الشمال حيث تعيش أقليات روسية من أجل خلق بؤر توتر دائمة على حدود روسيا...
إنه مشروع بريطاني قديم يعود إلى أيام روسيا القيصرية، التي وجد البريطانيون أنه يجب تقسيمها للتمكن من التحكم بثرواتها... (تمتد حدود روسيا من المحيط الهادئ مع اليابان شرقاً وحتى أوكرانيا غرباََ ويتغير التوقيت فيها أكثر من عشر مرات، تكاد روسيا أن تكون قارة)...
كان أول ما فعله بوتين بمعاونة الجيش، هو أخذ زمام الأمور بيده، ووضع يلتسين على الرف حتى نهاية مدته الدستورية حتى لا يثير بلبلة مع الغرب...
في بداية الأمر، لم يقترب بوتين من حيتان نهب الدولة عبر الخصخصة من قبل اليهود الروس خاصة...
أعطى الأميركيين وأوروبا وإسرائيل الكثير، ليس فقط في العراق وليبيا، بل حتى في أوروبا الشرقية ووسط أوروبا، رغم أن التفاهم غير الخطي مع غورباتشوف كان ينص على عدم تمدد حلف الأطلسي شرقاً أبعد من ألمانيا...
ما فعله بوتين هو الاقتداء بالصينيين الذين كانوا يعطون الغرب وإسرائيل كل ما يريدانه في العالم وفي منطقتنا العربيةخاصة، طالما أن هذا لا يصل إلى التهديد المباشر للصين وروسيا نفسيهما...( الصين وروسيا كانا كما أوروبا، في التهديد الأميركي لسوريا بعد حرب العراق، كما كانا إلى جانب الدول التي وافقت على حرب إسرائيل ضد لبنان سنة ٢٠٠٦)...
استطاع بوتين فرملة إنهيار الدولة الروسية وبدأ باستعادة النفوذ عبر خلق جمهوريات حكم ذاتي تتمتع بمظلة حماية روسية في الدول المجاورة التي تحاول طلب الدخول الى حلف الأطلسي...
جرى هذا مع جورجيا، ويجري الآن مع أوكرانيا... مع وجود أكثر من بؤرة في الجبل الاسود ومقدونيا وغيرها...
هل تحتاج روسيا لغزو أوكرانيا كما يروج الأمريكيون...؟
أوكرانيا في الحقيقة هي مجرد دولة متعددة القوميات، يشكل الروس أقل من ثلث السكان، لكنهم يشكلون أكثر من ٤٠٪ من مساحة أوكرانيا، ويتواجدون في شرق البلاد على حدود روسيا وبيلاروسيا...
في غرب البلاد تتركز مجموعات أقل عددا بكثير من الروس، يتبع بعضها لبولندا، أو تشيكيا، أو سلوفاكيا، أو حتى هنغاريا...
وهذا يعني أن تلك المجموعات تدين بالولاء أكثر إلى تلك الدول منها الى أوكرانيا...
قد يشكل الأوكرانيون أكثر من نصف عدد السكان، لكنهم يتركزون في الوسط، في العاصمة كييف، وفي بعض المدن الكبرى مثل خاركوف مثلا على البحر الأسود..
( كانت كييف عاصمة القياصرة الروس فترة طويلة، كما كانت شبه جزيرة القرم مصيفهم)...
من المؤكد أن الروس والأميركيين لن يدخلوا في حرب...
هذا مستحيل وإلا نكون فعلا دخلنا في حرب تدمير الكوكب على رؤوس الجميع بين اقوى دولتين نوويتين في العالم...
الواضح حتى الآن أن الروس قد ربحوا الجولة...
هم قد وضعوا حداً لأي تمدد أطلسي أبعد مما وصل إليه الأميركيون حتى اليوم... اللعب بالنار اكثر قد يعني حتى طرد الاطلسي من شرق اوروبا...
إعطاء ضمانات خطية لروسيا هو بجد ذاته انتصار وانذار إلى دول شرق اوروبا ان يلزموا حدود الأدب وإلا...
أميركا حتى الآن لا تزال على على خط لا غالب ولا مغلوب...
إذا وافقت على اتفاقية مينسك تكون قد خسرت...
إذا رفضت اتفاقية مينسك التي تحافظ على وحدة الدولة الأوكرانية، تكون هي من دفع إلى تقسيم اوكرانيا...
عندها سوف تؤيد روسيا انفصال الاقاليم الروسية...
قد يولد هذا الأمر القلاقل في الغرب...
هذا سوف يعني تلقائياً، سقوط حكام اوكرانيا من اليمين المتطرف الذين استلموا الحكم بعد الانقلاب الذي دبره سوروس تحت شعارات الثورة الملونة...
أميركا تعرف هذا وتخاف منه، لذلك قامت هي وتوابعها من الدول بنقل السفارات الى مدينة (لفوف) على الحدود الپولونية، وليس إلى خاركوف... لأن سقوط اليمين المتطرف قد يؤدي إلى عودة اوكرانيا السلافية إلى الحضن السلافي الروسي...
إذاََ يمكن القول ان أميركا سوف تحاول عدم إعطاء روسيا النصر الذي يعيدها الدولة العظمى الثانية... لكن ذلك يتطلب التضحية بأوكرانيا... أي التقسيم...
هكذا قد تربح روسيا، ولكن ليس كل شيء؛ لكن أميركا لن تخسر وسوف تبقى لا غالبة ولا مغلوبة...
أما الخاسر الأكبر حتى الآن فهو أوكرانيا بكل تأكيد لأن كل أنواع السيناريو تؤدي إلى زوال هذه الدولة كما عرفناها...
أما الخاسرون الآخرون، فهم كل الدول التي وقعت مع بوتين على اتفاقية مينسك وبالأخص، فرنسا والمانيا وبالتالي دول الوحدة الأوروبية...
هذه الدول سوف تخسر في السياسة كثيراً لأن الكيان الأوروبي سوف يصبح أكثر هشاشة مما هو عليه الآن، وسوف تخسر في الاقتصاد أكثر بكثير لأنها شاركت في تمويل خط السيل الشمالي للغاز...
إن هي قاطعت روسيا سوف تشتري الغاز الأميركي بزيادة ٣٠٪ من الأسعار، وإن هي لم تقاطع، سوف تواجه مشكلة مع اميركا ومع توابع اميركا داخل أوروبا، وربما حتى إلى تفتت أوروبا...
مضى ١٦ شباط ولم يبدأ الغزو الروسي، ولن يبدأ إلا إذا فقد زيلينسكي عقله وهاجم الدونباس... عندها سوف يفوز بوتين بجائزة اللوتو الكبرى...