الدكتورة حسناء نصر الحسيين
باحثة في العلاقات الدولية - دمشق
منذ أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن انطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا, انطلقت مع هذه العملية ساعة الصفر للقضاء على المشروع الليبرالي الأمريكي الذي كانت أبرز مخرجاته مشاريع العدوان والسيطرة على مقدرات الشعوب عبر الحروب وتقسيم الدول الى دويلات وإمارات حيث رأينا كيف تحولت الدولة الواحدة الى دولتين وثلاثة دول موظفة في ذلك التنوع الديني والاثني والعرقي والقومي أداة لتحقيق اهدافها الاستعمارية، في ظل نظام دولي أوحد تسيطر فيه واشنطن على القرارات والمقدرات الدولية يساندها دول لبست رداء الزعامة الامريكية واتشحت به ، تنبه الرئيس الروسي لهذا التفرد الامريكي بمصير العالم وشعوبه ودعا في عدة مؤتمرات لنظام عالمي متعدد الاقطاب ولابد من الاشارة هنا الى مؤتمر ميونخ للسلام الذي عقد في عام ٢٠٠٧ ، وما تبعه من محاولات على مستويات المؤتمرات والاجتماعات والتصريحات إلا أن واشنطن والغرب الذي يساندها في صمود نظامها الأحادي من اصحاب النفعية كانوا يصدون هذا الطرح متمسكين بنظام القطب الواحد .
ان بوتين اليوم يعيد للتاريخ سطوره الممزقة بما يعيد للدول سيادتها واستقلالها التي حرمت منه بسبب المشاريع الامريكية ليرسم بوتين مشروعا مناهضا للمشروع الأمريكي يعيد من خلاله سيادة الدول عبر اعادة أواصل جغرافيتها الممزقة الى الأم الأصيلة ومن خلال هذا المشروع سيكون العالم أمام مرحلة جديدة من الأحداث والتطورات التي سيشهدها في المراحل المقبلة .
فأمريكا التي استغلت احداث الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وضعف الدول في ذلك التاريخ من الحفاظ على وحدة اراضيها وساهمت في تقسيمها واستمرت بهندسة مشاريع التقسيم والتآمر لإضعافها ، خلقت لدى هذه الدول قضية ومشروع مناهض لهذه الهيمنة بما صنع حالة اصطفافات وتكتلات اقليمية ودولية مناهضة للمشروع الأمريكي .
وبالنظر لخطاب الرئيس الروسي الذي سبق انطلاق العملية العسكرية وكيف كان حاضرا بعمق تاريخ روسيا يؤكد ان المعركة الروسية هي معركة تصحيح للتاريخ الذي فرضه الاستعمار عليها .
استطاع بوتين من خلال هذه العملية العسكرية ان يضع امريكا والغرب موضع الضعيف وتعريته امام حلفائه وكسر صورة القوة الامريكية العظمى التي استغلت من خلالها دول وشعوب وهذا الحدث حكما يمهد لتعميق الانقسامات والتباينات الموجودة داخل حلف الناتو ويؤدي الى انتهاء هذا الحلف بما يتيح لدوله الذهاب للبحث عن مصالحها وامنها بعيدا عن المصالح الأمريكية التي حاربت واشنطن اكثر من مرة بجيوشها وفي نهاية المطاف خانتها عبر اتفاقية اوكوس التي عرت واشنطن امام الحلف كدولة عنصرية واليوم مع ما يشهده العالم من تطورات ستؤثر على حلف الناتو وتؤدي الى انقسامات داخل أعضائه بما يؤدي الى انهياره.
خصوم واشنطن هم في ذات الوقت حلفاء روسيا ووقفوا معها ودعموها في عملية تأمين الجغرافية الروسية من تمدد الناتو على حدودها من خلال عمليتها العسكرية في اوكرانيا ، وهؤلاء الحلفاء عبثت واشنطن بوحدة بلدانهم ومستمرة في عبثها في امنهم القومي مثل الصين وكوريا الشمالية وايران .
وهنا يحق لنا أن نتساءل عن تداعيات هذه العملية العسكرية الروسية على المستوى العالمي وهل ستفتح هذه العملية الروسية التي تحمل مشروع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شهية خصوم واشنطن واهمهم الصين وتذهب لتحرير تايوان التي حولتها واشنطن لسوق لبيع سلاحها وتهدد من خلالها الصين الام من التبعية الامريكية وتعيد تايوان الى الصين الكبرى
بالنظر للتصريحات السابقة للرئيس الصيني شي جين بينغ بانه سيكمل المهمة التاريخية المتمثلة في توحيد الجزيرة مع الصين كما شدد وكبار المسؤولين على رفضهم استبعاد القيام بعمل عسكري يعيد توحيد الجزيرة مع الصين يؤكد امكانية قيام الصين بهذه الخطوة الجريئة واغلاق ملف المساومة والابتزاز الامريكي لها بالكامل .
وكذا ايران التي راقبت الانكسارات للمشاريع الامريكية في العراق وافغانستان وسورية والآن ترى عجز واشنطن والغرب في مواجهة روسيا وما سيترتب على هذا العجز من ارتدادات على ملف المفاوضات النووية في فيينا بما يعزز موقف المفاوض الايراني الذي يرى في مشهد الضعف العالمي لواشنطن نقطة قوة له تتيح تمرير المطالب والشروط الايرانية المتعلقة بأي اتفاق نووي جديد .
وكوريا الشمالية التي تراقب التطورات الكبيرة على الساحة الدولية وانهزام المشروع الامريكي بتطويق روسيا وما لهذه الدولة من حسابات كبيرة مع واشنطن فهل ستجد في تداعيات هذا المشهد العالمي فرصة لتصفية المشروع الأمريكي الذي استهدافها بوحدتها وحقوقها لعقود مضت .
التحالف الروسي الصيني الكوري الشمالي الايراني تحالف متين وهؤلاء الحلفاء ينظرون بعين الرضى لقرار بوتين بتحجيم الدور الأمريكي الغربي على الساحة الدولية بما يجعل الفرصة مواتية لتحقيق ما عرقلته واشنطن في فترات ماضية بما يخص امنهم واستقلالهم .
الأيام والشهور القادمة ستكون حبلى بالمتغيرات الكبرى التي ستؤسس لمرحلة جديدة ومعركة جديدة عنوانها مرحلة استعادة الحقوق التاريخية والجغرافية التي ستؤدي حتما الى شرعة دولية جديدة بأحكام قانونية دولية متجددة تضمن حقوق الجميع وليست على اهواء الأحادية القطبية الأمريكية .



