منذ أن تعلّم الإنسان كيفية صنع الأدوات لأول مرة وهو يستخدمها للنيل من أعدائه لمختلف الدوافع، ما جعل مسار التاريخ البشري يُخطّ عن طريق الحرب، وفقط من خلال المعارك؛ اكتسبت الدول استقلالها ووضعت الحدود بين الدول، وصعد الحكام إلى موقع الحكم ونالوا السلطان على مواقع جغرافية شاسعة.
رغم أن للحروب ما يبررها في بعض الأحيان، إلا أنه في بعض الحالات تصبح مصدرًا كبيرًا للعجب والاستغراب، فلم تخض كل الحروب لدوافع مُحقة أو حتى لأسباب عقلانية. ففي بعض الأحيان يخرج المنطق من الباب ويلقي بالعقل من النافذة.
من المعجنات إلى مباراة قدم وحتى ناقة شاردة، نعدد في هذا التقرير مجموعة حروب اندلعت لأسباب بسيطة، كانت ستكون مضحكة لولا الضحايا الذين سقطوا بسببها فباتت في حكم "المضحك المبكي" حرفياً:
1- حرب الكلب المتشرد
في واحدة من أكثر الصراعات غرابة في القرن العشرين، تسبب كلب عن غير قصد في أزمة دولية.
كان الحادث تتويجاً لفترة طويلة من العداء بين اليونان وبلغاريا، اللتين كانتا على خلاف منذ حرب البلقان الثانية في عام 1910.
تفاقمت التوترات أخيراً في أكتوبر/تشرين الأول 1925، عندما أُطلِقَ النار على جندي يوناني بعد أن عبَر الحدود إلى بلغاريا في أثناء مطاردة كلبه الهارب، حسب ما نشر موقع History.
أصبح إطلاق النار صرخة حاشدة لليونانيين، الذين غزوا بلغاريا بعد فترة وجيزة واحتلوا عدة قرى، حتى إنهم كانوا مستعدين لقصف مدينة بيتريتش قبل أن تتدخل عصبة الأمم أخيراً وتدين الهجوم.
تفاوضت لجنة دولية لاحقاً على وقف إطلاق النار بين البلدين، ولكن ليس قبل أن يتسبب سوء التفاهم في وفاة 50 شخصاً.
2- حرب أُذن جنكينز
في عام 1738، أظهر مَلاح بريطاني يدعى روبرت جنكينز، أُذناً مقطوعة ومتحللة أمام أعضاء البرلمان.
كجزء من شهادته الرسمية، ادَّعى أن ضابطاً في خفر السواحل الإسباني قطع أُذنه قبل 7 سنوات كعقوبة على التهريب.
وبدافع من هذه الشهادة المثيرة، أعلن البريطانيون الحرب على مملكة إسبانيا. وهكذا بدأت "حرب أُذن جنكينز".
في الحقيقة، كان الصِّدام بين البريطانيين والإسبان يختمر منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي، وكانت أذن جنكينز المفقودة مجرد سبب مناسب.
يعود جذور الصراع إلى النزاعات الإقليمية حول الحدود بين فلوريدا الإسبانية وجورجيا البريطانية، إضافة إلى مضايقة الإسبان للسفن الإنجليزية مثل تلك التي كان قبطانها جنكينز.
بدأ القتال في أواخر عام 1739، واستمر عامين في فلوريدا وجورجيا، ولم يحقق أي من الجانبين انتصاراً واضحاً. اندمج الصراع في وقت لاحق مع حرب الخلافة النمساوية الأكثر شمولية والأطول فترة، والتي لن تنتهي حتى عام 1748.
3- حرب البسوس
في عام 496م، سالت الدماء على مدار أربعين عاماً وقتل أبناء العمومة بعضهم بعضاً في جنوب شبه الجزيرة العربية، والسبب "ناقة".
وحرب البسوس هي حرب قامت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل.
إلا أن تلك الناقة لم تكن ناقة عادية، بل كانت ملكاً للبسوس بنت منقذ، خالة جساس بن مُرَّة الشيباني، وقد عقرها ابن عمه وزوج أخته الجليلة، كليب بن ربيعة، لأنها كانت ترعى في حماه دون إذن منه.
استبد الغضب بجساس لمقتل ناقة خالته، فذهب وراء كليب معاتباً ومغاضباً، إلا أن الأخير استهزأ به وأدار له ظهره ولم يلتفت إلى محادثته، فما كان من جساس إلا أن طعنه بظهره وأرداه صريعاً.
وحين وصل الخبر إلى الزير سالم أقسم بأنه سيقتل جميع من في قبيلة بني بكر مقابل أخيه كليب، فاشتعلت حرب لم تخمد نيرانها إلا بعد 40 عاماً بانتصار قبيل تغلب.
4- حرب المعجنات
في عام 1828، دمرت الحشود الغاضبة أجزاء كبيرة من مدينة مكسيكو سيتي خلال انقلاب عسكري.
كان أحد ضحايا أعمال الشغب طاهٍ فرنسي مغترب يُدعى ريمونتل، وقد تعرض مقهاه الصغير للنهب من قبل اللصوص. تجاهل المسؤولون المكسيكيون شكواه، فالتمس ريمونتيل الحكومة الفرنسية للحصول على تعويض.
بقي طلبه غير مجاب إلى أن لفت أنظار الملك لويس فيليب. كان الملك غاضباً بالفعل، لأن المكسيك فشلت في سداد قروض الملايين، فتوجه بطلب بدفع 600 ألف بيزو لتعويض طاهي المعجنات عن خسائره.
عندما امتنع المكسيكيون عن تسليم مثل هذا المبلغ الفلكي، شن الملك لويس الحرب.
في أكتوبر/تشرين الأول 1838، وصل أسطول فرنسي إلى المكسيك وحاصر مدينة فيراكروز، حسب ما نشر موقع What Culture.
عندما استمر المكسيكيون في رفض الدفع، بدأت السفن في قصف قلعة سان خوان دي أولوا. أعقب ذلك بعض المعارك الصغيرة، وبحلول ديسمبر/كانون الأول، قُتل ما يصل إلى 250 جندياً.
وتطورت الحرب لتجبر الجنرال الشهير سانتا آنا على العودة من تقاعده لقيادة الجيش المكسيكي ضد الفرنسيين، وفقد إحدى ساقيه بعد إصابته برصاصة.
انتهى القتال أخيراً في مارس/آذار 1839، عندما ساعدت الحكومة البريطانية في التوسط في اتفاق سلام. كجزء من المعاهدة، أُجبر المكسيكيون على صرف 600 ألف بيزو، وهو بلا شك، مبلغ كبير لمحل حلويات في ذلك الوقت.
5- حرب كرة القدم
تؤجج كأس العالم لكرة القدم الخصومات المحلية والمشاعر الوطنية كل 4 سنوات. ورغم أن الهدف تنافس ودي، فإنه في عام 1969 تدهورت الأمور عندما فشلت هندوراس والسلفادور في التأهل لمباريات 1970.
أقيمت مباراة الذهاب في هندوراس، التي فازت 1-0، ثم أقيمت مباراة الإياب في السلفادور، التي فازت 3-0.
تعرضت المجتمعات السلفادورية الكبيرة في هندوراس للهجوم، حيث تم جر العديد من الناس من منازلهم وضربهم، وتم تسجيل إطلاق النار على بعض المشجعين، ووقعت حوادث مماثلة في السلفادور ضد الهندوراس، حسب ما نشر موقع List Verse.
كان من الواضح أن التأجيج اشتعل لدى المجموعتين من المشجعين، حيث كان من المقرر أن تقام مباراة فاصلة في المكسيك.
كانت المباراة متعادلة عند صفارة النهاية، لكن بعد الوقت الإضافي فازت السلفادور 3-2، وهو ما كان ينبغي أن يحسم الأمر.
ومع ذلك، سجلت دولة السلفادور غضبها من هندوراس، لأنها "لم تتخذ أي إجراءات فعالة لمعاقبة هذه الجرائم التي تشكل إبادة جماعية"، فقطعت العلاقات الدبلوماسية وهاجمت عدة أهداف هندوراسية عبر سلاحها الجوي.
بعد 4 أيام من القتال، تم إقناع السلفادور بسحب قواتها، وتشير التقديرات إلى خسارة كل جانب نحو 2000 قتيل وإصابة نحو 300 ألف من السلفادوريين الذين كانوا يعيشون بهندوراس، في الاضطرابات التي أعقبت المباراة.
6- سباق العربات في القسطنطينية
في عام 532 بعد الميلاد، غمرت حشود ضخمةٌ شوارع القسطنطينية، مما أدى إلى حرق أجزاء كبيرة من المدينة وتهديد حكم الإمبراطور جستنيان، وكل ذلك باسم سباق العربات.
ارتفعت شعبية السباقات التي أقيمت في ميدان سباق الخيل بالقسطنطينية خلال القرن السادس، ونظم المشجعون أنفسهم في فصائل صارمة.
تصرف المشاغبون مثل عصابات الشوارع أكثر من مشجعي رياضة، وأصبحت أقوى المجموعات- المعروفة باسم الزرق والخضر- سيئة السمعة، بسبب همجيتهم.
اندلع الصراع في يناير/كانون الثاني 532، عندما رفض الإمبراطور جستنيان إطلاق سراح اثنين من أعضاء الزرق والخضر الذين حُكم عليهم بالإعدام.
في حالة نادرة من الوحدة، اتَّحد الفصيلان معاً وبدأوا في أعمال الشغب. وفي غضون أيام قليلة، أحرقوا مقر محافظ المدينة واشتبكوا مع حراس الإمبراطورية، بل حاولوا تتويج إمبراطور جديد.
وأخيراً، قرر جستنيان إخماد التمرد بالقوة؛ فقدَّم رشوة للمشجعين الزرق لكسب دعمهم، ثم شنَّ هجوماً مدمراً على مثيري الشغب الباقين.
وبحلول نهاية الهجوم، قُمعت أعمال الشغب وتوفي نحو 30 ألف شخص على أرض ميدان السباق.