توجد العديد من المنعطفات التي تركت اثارا في تاريخ الانسانية بعضا منها اثارا مشرقة واخرى دامية ، ساحة استوعبت الم الانسان واوجاعه انتجت من حركته اطوارا حضارية ذات خصوصية معينة.
من ابرز تلك المنعطفات كانت المنعطفات العقائدية ، حيث تعتبر اول المنعطفات التي اشتركت مع الانسان في احياء هذه الارض ، حيث كانت الشريعة الالهية بقوانينها الثابتة مع بداية الخليقة المعين الذي يغترف منه الانسان الاول، القانون الاول ، فكان هناك القاعدة او الارضية التي يتحرك فيها الانسان والقانون السقف الذي يؤطر هذه الارضية وتبعا لذلك توالت العقائد ، واصبح لكل شوط تمر به الانسانية منهاجا وشريعة للوصول للوحدة الانسانية في ظل قانون يحمل بين ثناياه العدالة وقالب بتفرعاته يتماشى مع حركة الانسان ، وتحت ظل قانون الناسخ والمنسوخ تم استيعاب ما يتوافق ومسيرة الانسان من هذه القوانيين واطوار الحضارات التي مر بها ، واقصاء ما لا يتماشى وفطرة الانسان وعقائده .
وما ابتعاد الانسان عن معرفة الله وضمور الشعور العقائدي عند بعض الشعوب ، ما هو الا لعوامل التجزئة الفرقة المتاتية من امراض الانسان النفسية ، التي ادت الى ظهور حركات الانحراف ، والزندقة، وضعف المدارس الفكرية التي تفشل في تفسير الدين ،وكشف الغموض لدى العامة ،فيلجأ الانسان الى البحث عن واسطة كحلقة وصل بينه وبين الله نتيجة التخبط في فهم مدلول الله.
كان لذلك تداعيات خطيرة على الفكر الانساني عبر التاريخ ، ومنهم بعض مدارس الفكر الاسلامي ، التي انتجت مدارس للتكفير والاقصاء بحجة انها المدرسة الحق ، فتم على اساسه تشريع قتل الاخر ، ولعل تجربة داعش خير دليل على بشاعة هذا الفكر وطريقته النازية في تفوق عنصره على ابناء جلدته والجبر في تبني رؤيته ، وما اتباع نهج الارض المحروقة والنتائج المترسبة من حركته ، الا عاملا مفسرا له ويظهره كرافد ذو منبع امبريالي .
وعلى سبيل المثال،من الاحداث التي كانت على وشك احداث تغيير في الساحة الانكلوساكسونية : (النازيين الجدد ودور اوكرانيا كساحة للبدأ بهذا التغيير ) ، وهو مشهد دولي لا يخلو من ضغط العامل الجيواقتصادي ، ولولا التدخل الروسي والرد المباشر لكبح جماح التهور الاوكراني ومن خلفها ، لكان تصاعد النفس النازي العنصري في مختلف ارجاء اوروبا لا يعرف الحدود ، يقابله تصاعد وتيرة حرق القران الكريم وجعله محفلا تتوزع الادوار بين ساحات مختلفة ، تحت بند حرية التعبير ، كل ذلك يحدث في ظل انظمة علمانية تسوق بعنف منهج اسقاط القيم والاخلاق (المثلية) وتشويه الفطرة الانسانية ، وخاصة ساحة اوروبا وتحديدا الاسكندنافية التي شهرت دكتاتورية الامراض الاخلاقية المثلية باعتبارها ساحة مفسرة للانحطاط الاخلاقي بكل تنوعه.
لتضع هذه الانساق ( الشعوب اللاعقائدية ، والشعوب المريضة اخلاقيا ) ، مفهوم الحضارة الانسانية المشرقة وتقدمها الاجتماعي القيمي كعامل يتم تطويعه بطريقة ارادية وفقها ، يرافقه انتاج مفاهيم التفسخ الاجتماعي كظاهرة تفسر حركة المجتمع الجديدة ، ليشترك الجانبان في بناء الانسان المتشبع بهذه الافكار في ظل نظام اجتماعي يخدم هذا الاتحاد .
ما دخل القران الكريم تقدست كلماته من كل تلك الامور ، لماذا يتم التجاوز عليه ؟
كما هو معلوم ، الاسلام ، بمعجزه القران الكريم ، يعتبر متفردا في الساحة العالمية من خلال الاشارة الى النظام الاجتماعي العادل وكيفية الوصول اليه من خلال النصوص القرانية ، بالاضافة الى خلق نسق من التعالي بين داخل الانسان ، قيم ومفاهيم تحرك الانسان ، وتاريخ يصنعه الانسان بحركته ، ويبث هذا الفكر قيمه بين الناس ويؤطر وعلاقاتهم بكل ما يحيطهم ،
الفكر الذي ياخذ موقفا واضحا ويقف بالضد من اي تناقض يمس الفطرة الانسانية هو الدين الاسلامي ، القران الكريم وما فيه من شرائع، واشارة واضحة الى اقوام تحدوا فطرة الله التي فطر الناس عليها منهم قوم لوط وثمود وعاد ،اقوام غابرة رفعوا راية المثلية والانحلال والانحراف، وهم مثال حي وواقعي ذكر في القران الكريم وكيف اصطدموا بالسنن الالهية ،فتم الانتقام الالهي منهم ، لتجاوزهم القانون الاول فتناولتهم السنة التاريخية ، لانهم ساروا باقدامهم نحو التفسخ ونحو الاندثار ، وما يغيظ قوم لوط اليوم من القران الكريم هو ما يحويه من انظمة شاملة :( منظومة القيم والمفاهيم) المفسرة لحركتهم وفق موازين الحق والعدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، نظام اجتماعي، نظام اقتصادي وسياسي ، ومسيرة امم واشواط حضارية ….
لنكون اليوم امام تشريع ندي من الانسان وفطرته السليمة ، وهذا يقودنا الى طرح الاتي :
- هل يختلف هجوم تشريع قانون المثلية ضد الانسان وفطرته السليمة وبناء جيل هش متخلف ومنحط اخلاقيا ، عن هجوم داعش ووحشيته التي غيرت من الخارطة الجيوسياسية للعديد من الدول ، ام عن هجوم الفايروسات المختبرية التي ارعبت الانسان ، في كل هذه المراحل كان الانسان هو الضحية ؟
- مالذي يحتاجه الانسان ليصحو من غفلته هذه ؟
المنعطف الاخر الذي اخذت ابعادا تاسيسية في قوام النظام الاجتماعي هو المنعطف الاقتصادي الذي استطاع من اطفاء تغيير في الخارطة الجيو اقتصادية في مختلف قارات العالم ، وبروز غرب اسيا كمحور اقتصادي احتل المكانة الاولى عالميا ، دول فتية ذات تعداد سكاني وقدرات بشرية ضخمة ومراحل نمو متسارعة. يضاف اليه القارة الافريقية وتصاعد الوعي في ضرورة التحرر الثقافي ، وهو منعطف اظهر مكامن الضعف في القارة الاوربية واين تضع نفسها ، وفق اي قاعدة تفسر حركتها ، فهل تلحق بركب اسيا ، ام بركب امريكا الحليف القديم .
في كلا المنعطفين اوروبا الساحة المكشوفة امام دول العالم .
اما غرب اسيا فانه يملك التنوع الحضاري الاصيل ما يؤهله لرجحان كفته في تحريك الساحة التاريخية ،سواء من قبل الصين والهند ، او روسيا والصين ، او ايران والهند وروسيا والصين، امام ساحة الضفة الاخرى من العالم ، الذي اصبح في حالة نفور من التنوع الثقافي الذي بناه خلال عقود ، معتبرا جهاز الدولة اصبح مضغوطا من هذا التنوع ، وهذا فشل في حد ذاته .
لتبقى امامنا ساحة غرب اسيا ذات انفتاح حضاري تفرضه المتغيرات ، وخاصة الاثراء الحضاري الذي اضافته الثورة الاسلامية في ايران للعالم، بحيث وضعت مقاييس تمثل رؤيتها للوجود ،وكيفية طرح القيم والمفاهيم وتعريفها وتطبيقها ، حيث اعتمدت الجمهورية الاسلامية على الشريعة الاسلامية ، والقران الكريم ، كدستور يضع حقيقة ان (الله )المالك الحقيقي للارض، دستور شق طريقة منذ اكثر من اربعين عاما الى جانب دساتير العالم ، يهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية ، ويطرح المنظومة الاقتصادية ضمن اسس اسلامية تقف بالضد من الاحتكار المفرط ، الاستغلال والتلاعب بالسوق،ونهب الثروات،حرية الملكية ، ….
والعراق وايران مرا جنبا الى جنب بمرحلة حرجة عندما احتلت داعش ربع العراق ، واعلنت عدائها للعراق وايران ولكل الارث الحضاري لعقيدة هذين البلدين .
او يصب في وحدة هدف حلف الصهيوامبريالي الذي وصل الى نتيجة لا مناص منها وهي ضرورة استخدام عامل الجيوعقائدي الى جانب الجيوسياسي ، والذي على اساسه اصبحت هذه العلاقة بمختلف اطرها سواء منها الرجعية ام المغالية تساهم في تغذيتها وبطريقة اكثر وضوحا من الماضي .
تعتبر احدى مراحل التاريخ الحديث شاهد على نجاح هذه العلاقة انيا ، من خلال تحقيقها بعض الاهداف ، لكنها لم تستطع الصمود امام محدودية الهدف بالمقارنة يبرز دور فلسطين في الصراع وفي قدرتها على ادارة الصراع من ساحتها وفي قدرتها على احداث التغيير في غرب اسيا والعالم .
الدكتور عامر الربيعي
رئيس مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية العربية الأوربية في باريس