كتب - هلال عون,,
في كتاب "كليلة ودمنة" يروي "عبدالله بن المقفع" قصة ، أسد الغابة المريض ، وكيف وصف له الأطباء قلب و أذُنَي حمار حتى يشفى .
ولأن إبن آوى كان يعيش على بقايا طعام الأسد خاف من موت الأسد ، وتبرع بجلب حمار له ليأكله .
وبالفعل جاءه بالحمار ، فوثب الأسد عليه ، ولكن بسبب ضعفه استطاع الحمار الهرب .
فأعاد إبن آوى المحاولة ، و أقنع الحمار بالعودة للأسد المريض مرة أخرى فوثب عليه الأسد واستطاع قتله .
الأسد المريض ، قال لابن آوى سأذهب لأغتسلَ وأتطهرَ ثم أعود فآكل قلب الحمار وأُذُنَيه .. فما كان من إبن آوى إلا أن قام بأكل قلب وأُذنَي الحمار .
وعندما عاد الأسد وسأل إبن آوى عن قلب الحمار و أُذنيه أجابه ابن آوى :
لو كان له قلب وأُذنان لما عاد إليك مرة أخرى بعد أن نجا منك في المرة الأولى .
إن حال أوروبا - فيما يجري بين روسيا من جهة ، وبين أمريكا وإسرائيل من جهة أخرى في أوكرانيا - شبيه بحال الحمار في قصة إبن المقفع .
أمريكا حاليا هي فعلا تشبه الأسد المريض ، و تشبيهنا لها بالأسد مجازا للتدليل على أنها القوة الأقوى في العالم .
لكنها تعاني اليوم من أزمات لا حلول لها ، من أبرزها التضخم المالي الناتج عن طباعة تريليونات الدولارات دون تغطية مقابلة من السلع .
بعض التقارير تقول بأن البنك المركزي الأمريكي طبع خلال أقل من عام ما نسبته 20 % من كمية الدولار المعروضة في العالم ، وهذا أمر يشبه الجنون ، لأن كمية المال الهائلة هذه غير ناتجة عن كمية الانتاج ، وغير مغطاة بالبضائع ، ما يعني أن المعروض من السلع أقل من السيولة ، وهذا الامر سيرفع الأسعار حتما ، وبالتالي ستزداد نسبة تضخم الدولار ، وتنخفض قيمته مقابل العملات الأخرى .
وتشير التقارير إلى أن نسبة التضخم الآن في امريكا باتت قريبة من 7% ، وهي في تصاعد ، مع نسبة فوائد قريبة من الصفر .
أي أن استمرار ادخار الأموال من قبل المواطنين في هذه الحالة غير وارد على الإطلاق لأنه يعني فقدان أموالهم لقيمتها الشرائية بنسبة 100% خلال عدة سنوات .
وهذا يعني أن المواطنين سيسحبون أموالهم من البنوك و اسهمهم من البورصات لادخارها بالسلع الأخرى كالذهب والعقار وغيرهما ، وكذلك بشراء وتخزين السلع الاستهلاكية، الامر الذي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار جميع السلع المستهدفة ، وبالتالي ارتفاع مطرد بنسبة التضخم ، وضعف مستوى المعيشة ، كما سيؤدي إلى انهيار عدد غير محدود من الصناعات والشركات .
كورونا وسوء السياسة المالية الأمريكية سرّعتْ في حدوث ذلك التضخم ، ويبدو أن مستوى التوتر العقلي لدى قادة امريكا ازداد فسرّعوا من مشروعهم في مواجهة الصين كي لا تتسيد الاقتصاد العالمي، فاتخذ ترامب عددا من القرارات القاسية ضد الصين تتعلق برفع الرسوم الجمركية على بضائعها ومحاربة تقنيات الجيل الخامس من المعالجات الرقمية ، وكان الاستهداف الأبرز ضد شركة هواوي لصناعة الهواتف الذكية التي فاقت ارباحها مائة مليار دولار قبل عامين متخطية بأرباحها الشركات الامريكية ذات العلاقة .
ويبدو أن أمريكا رأت قبل نقل ثقلها باتجاه محاصرة الصين أن تعمل على تحييد روسيا خوفا من التحالف الذي بدا قويا جدا بين الصين وروسيا .
و لأنها لا تتحمل كلفة مواجهة عسكرية مع روسيا ذات الصواريخ الفرط صوتية المتفوقة ، وذات السلاح النووي ، لجأت إلى حمارها (أوروبا) الذي يشبه حمار ابن المقفع، لتكون ضحيةَ أولى لهذه الحرب ، من خلال تدمير اقتصادها وصناعتها بشكل خاص .
إن الهدف من إشعال أمريكا الحرب في أوكرانيا هو ، تدمير علاقة روسيا بأوروبا ، وبشكل خاص بألمانيا ، وذلك لإزاحة منافسَين كبيرين للاقتصاد الأمريكي ، ولإيجاد فرص استثمارية للشركات الامريكية لإعادة بناء تلك الاقتصادات بعد تدميرها بشروط جديدة تحقق لها نهبا وسيطرة أكبر .
وفي سياق الحديث عن مخطط أمريكا لتدمير علاقة روسيا بأوروبا ، وخاصة بألمانيا ، يقول عالم الاقتصاد الامريكي "مايكل هدسون" :
"لا علاقة للأزمة الأوكرانية بأوكرانيا. الأمر يتعلق بألمانيا، وعلى وجه الخصوص، بخط الأنابيب الذي يربط ألمانيا بروسيا: "نورد ستريم- 2" .
وهذا "جورج فريدمان" ، الرئيس التنفيذي لشركة “ستراتفور”، يقول أمام مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية :
"المصلحة الأساسية للولايات المتحدة، والتي من أجلها خضنا حروباً على مدى قرون؛ بما في ذلك في الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة؛ كانت موضوع العلاقة بين ألمانيا وروسيا. لأن إتحاد البلدين معاً يشكل القوة الوحيدة التي يمكن أن تهددنا .
ويجب العمل على أن لا يحصل ذلك ".
اما الكاتب والمحلل السياسي الأمريكي "مايك ويتني" فيقول :
كلما ازداد دفء العلاقات بين ألمانيا و روسيا يتم رفع المزيد من الحواجز التجارية بين البلدين، ومعها يتم تخفيف اللوائح والشروط، وينتعش قطاعا السفر والسياحة، وتنشأ بنية أمنية جديدة بين البلدين.. عندما تكون ألمانيا وروسيا دولتين صديقتين وشريكين تجاريين، ليست هناك حاجة لقواعد عسكرية أميركية، ولا حاجة لأنظمة صواريخ وأسلحة أميركية باهظة الثمن، ولا حتى لوجود حلف شمال الأطلسي» .
وفي الختام يمكن القول بثقة إن امريكا اختارت التوقيت الخاطئ لتنفيذ هذه الحرب ، بسبب القوة العسكرية الهائلة التي حققتها روسيا خلال السنوات العشر الماضية ، وبسبب الاقتصاد القوي ، وبسبب العلاقة المتميزة جدا مع الصين ومع ايران ..
وكذلك بسبب مشاكل امريكا الاقتصادية والأمنية الكبيرة .
كل ما سبق يؤكد أن هذه الحرب ستؤدي الى عكس النتائج التي تبتغيها واشنطن ، بل ستعجل من توقيت ازاحتها عن قيادة العالم .
كما ستكون اوروبا الخاسر الاكبر فيها .
أما إبن آوى ( اسرائيل) فربما ستنافس أوروبا في خسارتها بعد أن يتم تدمير حلم إقامة (اسرائيل أخرى ) شرق اوروبا، الذي تم العمل عليه لمدة عشر سنوات .