د. عامر الربيعي / الامتعاض الأمريكي -الأوروبي من روسيا
مقالات
د. عامر الربيعي / الامتعاض الأمريكي -الأوروبي من روسيا
د.عامر الربيعي
25 آذار 2022 , 07:30 ص



 الغضب والامتعاض الواضحين من خطوات الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي تجاه روسيا ، اتسم بنوع من الحزم والتصدي والتحدي بنفس الوقت ، وفسر هذا الحزم من خلال محاولات عزل روسيا عن العالم سواء اعلاميا ومن على كل منصات التواصل الاجتماعي او الرياضي . او من خلال عزلها اقتصاديا ، من خلال منع التعامل معها تجاريا او حظر التعامل معها في مجال الطاقة . 

وثالثهما مد اليد على الممتلكات الروسية والشركات الروسية في الخارج ، من قبل بعض الدول ومنها اوكرانيا.

كل تلك الخطوات الحازمة وراءها اسباب عديدة ومن ابرز تلك الاسباب :

١- القوة الجيوسياسية ،والجيواقتصادية، والجيو عسكري في التزود ذاتيا بالصناعات الثقيلة سواء منها العسكرية او الانتاجية ، كل هذه المميزات جعل من روسيا نموذجا منفتحا على العالم يملك مقومات متشابهة مع الصين في الحركة الغير باحث على السيادة على العالم. مما اظهر روسيا ممثلا شرعيا وثانيا غير اوربا والاتحاد الاوربي .

٢- خطوات التفكيك و التحرير

ارتكزت اوربا والولايات المتحدة على ازمة اوكرانيا في اظهار خطواتها على انها محررة للحق الاوكراني ، والمنصة التي يتم عن طربقها ضرب قوة روسيا ، التي تعتبر نوعا ما مستقلة عن النظام العالمي بنسخته الامريكية الاوربية . فما كان من روسيا الا الوقوف عند اشكالية اوكرانيا ذاتها التي وقف الغرب عندها متباكيا، فاعترف باول جمهوريتين عزمتا على الانفصال من اوكرانيا ، ليفعل سياسة التفكيك والتحرير من تبعات اشكالية الازمة الاوكرانية ، وفي حقيقة سياسة التفكيك التي قادتها روسيا في اوربا هدفت ايضا تفكيك عدة قضايا شائكة في المجتمعات الاوربية واخراجها الى السطح ، وهي خلايا النازيين الجدد ، التي اخذت تتصاعد في اوربا في الاونة الاخيرة ، وكشفت عن حجم الامتدادات البغيضة لهولاء المختبئين خلف النازية والعنصرية وصعود بعض رموز التطرف كمرشحين لرئاسة بعض الحكومات في بعض الدول الاوربية . 


اذن امتلاك روسيا للقوة الرادعة التي فككت نقاط ارتكاز امريكا في اوربا من خلال اوكرانيا

هذه الخطوتين لروسيا افشلت عامل قوة كان يدعم امريكا في اوربا والخلايا النائمة فيها ، وبنفس الوقت يكشف عن ضعف اوربا ، وخاصة بعض الدول تحديدا كالمانيا.

٣-انحياز اوربا ، وعدم اصطفافها الى جانب روسيا اوكرانيا ودعم الحل الدبلوماسي لهذه الازمة ، متأتي من حقيقة ان قوة اوربا تكمن في النظام العالمي الذي تقوده امريكا ، وبالتالي فان قوة اليورو من قوة هذا النظام وسقوطه يترتب عليه تداعيات تضر باليورو ، هذا بغض النظر عن المشاكل التي تطال اوربا من التوقف عن شراء الغاز والنفط الروسي ، وليس بعيدا ما حدث لليونان وازمتها المالية مع صندوق النقد الدولي ، ولعل هذا الترابط بين النظام العالمي والقوة الاوربية وقوة اليورو يظهر من خلال تصريح رئيسة الاتحاد الاوربي اورسولا فون دير ( ان روسيا متهمة بمحاولة صارخة لاعادة كتابة قواعد النظام الدولي ) وهذه النقطة تحديدا تعتبر امرا ايجابيا لروسيا التي تمتع باستقلال نوعي يحررها من الرضوخ لمتطلبات النظام العالمي بنسخته الامريكية ، لتفرض شروطها بالروبل ، وبكلا الحالتين فهما يهددان اليورو ، ليس الدولار فقط وانما الروبل الروسي الذي قد يجد متنفسا من العقوبات الامريكية ، لان يصبح اداة للتداول . وهذا ما يفسر خطوة روسيا الجديدة استخدام الروبل في التعامل الاقتصادي معها 

٤-الازمة المالية الاوربية حاضرة في معظم التشعبات التي تبنى على توسع الازمة الاوكرانية ، الا اننا نلاحظ تموضع قرار اوربا لصالح مكان خارج جغرافيتها ، فهي مهددة بين ضغوط الجغرافيا وضغوط التحديات التي يفرضها النظام العالمي المرتبطه به ماليا ، وعدم حماسها ضد هذا النظام الذي يمنع عنها شراء الطاقة الروسية، بل على العكس نراها تدفع بدولها في حلف الناتو لاعادة القوة لهذا النظام العالمي القائم ، والتي هي جزء من منظومته المالية .

وخاصة المانيا -الحليف القوي لفرنسا- التي اعلنت انها ستتوقف عن الحركة في حال توقف الغاز الروسي .

 وبالتالي فان الاستقرار الاقتصادي الذي ينعكس ايجابا على استقرار قيمة اليورو يكون مهددا.


-هل سنشهد المانيا هامشية على غرار اليونان.

-ام ستعمل اوربا على جعل هذه الازمة فرصة للنهوض؟


الادوار لمرتكزات النظام العالمي بنسخته الامريكية ،التي تم اختراقها في ساحات عديدة من العالم ، من قبل بوادر النظام العالمي الجديد سواء في قدرة نظام العولمة على تقزيم الازمات ، وعدم استقرار المجال الحيوي الامريكي ، وسقوط مصطلح القوة الاحادية المستقوية على العالم ، لصالح قوى منفتحة على العالم .

لم يجد هذا النظام مكانا ليناضل فيه عن وجوده ، غير الاصلاء اللذين نما بين احضانهم ، وخرج من بنات افكارهم .


الدكتور عامر الربيعي رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية

المصدر: إضاءات