دول اللامعقول المظلمة.
مقالات
دول اللامعقول المظلمة.
م
14 نيسان 2025 , 21:24 م

               

  في عصر الانحطاط خُطِفَ العقل العربي وتم حبسه في مملكة اللامعقول المظلمة.مملكة بلا نوافذ، وبابها كما غنت فيروز (( باب البوابة ببابين، قفولة ومفاتيح اثنين، عا البوابة في عبدين، الليل وعنتر بن شدّاد )).يحرسها السدنة والكهنة، بصفتهم السنة الالهة والارباب التي تمشي على الارض ( الليل) والسلطان ( عنتر بن شدّاد).يتربع السدنة والكهنة في بلاط السلطان ويتغلغلون في سلطنته بكل مكوناتها التعليمية والتربوية والتشريعية والاداريةوالتنفيذية.فهي التي تحدد ما يصلح وما لا يصلح للمجتمع وتحتكر الاصلاح.وهي الدعامة التي يتكيء عليها السلطان في تطويع المجتمع لرغباته ومشيئته.في عصرنا الحالي صار للسدنة والكهنة احزاب ومنظمات وامارات تخطت الحدود الوطنية ونسجت علاقات وعقدت تحالفات مع قوى اجنبية .صارت عابرة للحدود (San Frontieres  ).

عندما انشأت الدول الاستعمارية انظمة التبعية المتخلفة خلقت الى جانبها وفي عقر دارها احزابا دينية استعمارية المنشأ ووظيفية الدور.وصار  قادتها يحملون لقب (( الاستاذية))اسوة بالماسونية.اصبح كل قطر عربي تحكمه ( سلطة حكومية لتصريف الاعمال، وسلطة الالسنة الالاهية التي تمشي على الارض).بالمفهوم السياسي، في كل قطر عربي سلطة ثنائية القطبية.فاذا خرجت احداهما عن الخط المرسوم لها قامت الثانية بابتزازها وخلق المشاكل لها.فتارة نجد السلطة على يسار الالسنة الالاهية ، وتارة اخرى تكون فيها الالسنة على يسار السلطة.هذه العلاقة الجدلية بين قطبي الرحى هي التي مكنت الاستعمار من استمرار هيمنته وباقل الاكلاف.ومع تغييب العقل العربي في مملكة اللامعقول المظلمة سيبقى المجتمع في حالة التخلف والفقر والتهميش، مسلوب الارادة ومستسلما للقدرية المصطنعة.

* منذ الحرب العالمية الاولى والشعوب العربية تناضل من اجل الاستقلال بقرارها السياسي وتطورها الاقتصادي ووحدتها.لم تنجز اي من هذه الاهداف، بل على العكس من ذلك تسلل الفكر الصهيوني والتشظي الطائفي والعرقي الى النظام الرسمي العربي والنخب المرتبطة به.وقبل ذلك وحتى الان دأبت النخب العربية مفكرين وفلاسفة ومثقفين وخبراء سياسة وعلماء اجتماع على اكتشاف ودراسة الاسباب والعوامل التي شكلت حائلا دون تحقيق الاهداف المبتغاة.فمنهم من ابدع في الاضاءة على الاسباب والعوامل الموضوعية المتعلقة باهداف الاستعمار ودور الصهيونية  وكيانها.المكتبة العربية غنية وزاخرة بهذه الدراسات والابحاث.ومنهم من ركز وشدد على العوامل والظروف الذاتية المتعلقة بالتخلف والجهل العربي، الذي انتج انظمة وحكومات عجزت عن بناء دول( States) عصرية، وتحالفت مع رواسب ومخلفات الماضي واصرَّت على تحميل فشلها على العوامل والظروف الخارجية، لان ذلك يريحها من محاسبة النفس.وما زلنا حتى يومنا هذا انظمة وشعوبا نحملها اسباب فشلنا وتاخرنا.

كتب المفكر السوري ياسين الحافظ (( من نافل القول ان العناصر المكونة لدولة اسرائيل قد تكونت اثناء الانتداب البريطاني على فلسطين.لكن هذالا يعادل، او لا يعني،ان الاستعمار البريطاني الذي اقام اسرائيل، بيد ان الاشكالية في الوعي العربي محلولة على نحو اخر،على هذا النحو ايضا: الاستعمار : مضافا اليه تخاذل العرب تارةا، وخيانتهم تارة اخرى.هي التي اقامت دولة اسرائيل،وبالطبع في كلا الوعيين بقيت عمارة المجتمع العربي وايديولوجيّاهُ وقيمه بمنجاة من التشكيك.ان نقص الاندماج القومي العربي، الذي هو حصيلة الركود العربي، يتجلى اساسا في استمرار اشكال التضامن التقليدية القديمة؛ ففي المجتمع العربي يعيش الناس بالاحرى منعزلين في عصبيات ضيقة خاصة: العائلة،العشيرة، الطائفة، القرية (بل عصبية مدينية واقليمية ).والواقع ان نظام القرابة العربي الموغل في القدم والكابح للتقدم...يكمن في اساس استمرار اشكال التضامن القديمة )).

خلاصة القول ان التاخر العربي المستحكم في البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية كافة،مسؤول اكثر من الاستعمار - بل وقبل الاستعمار-عما اصابنا من نكبات وعثرات.

قامت بعض النخب الفلسفية والفكرية في البحث عن اسباب التاخر العربي، فاتجهت الى نقد العقل العربي.قام الدكتور محمد عابد الجابري استاذ الفلسفة والفكر العربي الاسلامي في كلية الاداب بالرباط بدراسة وضعها في كتاب بعنوان (( تكوين العقل العربي ))نقد العقل العربي ( ١).ثم قام بعد ذلك جورج طرابيشي مفكر وناقد وكاتب ومترجم سوري بعملية نقد تحليلية لما طرحه الجابري بعنوان ( نقد نقدالعقل العربي ).

ان القاريء لبحثيّ الجابري وطرابيشي يصل الى خلاصة ما قدمناه وهي (( ان الخصومة لمذهب العقل المحض ولمفهوم " التقدم" هي السد المنيع الذي يعيق التقدم والتحرر العربي.وان العقل واستقلاله واستغنائه عن كل قوة متعالية عليه هو شرط تقدم الامة واستقلالها وتحررها ونموها الاقتصادي وعليه يمكننا القول ان اي حزب او تنظيم سياسي او مؤسسات مجتمع مدني لا تاخذ باستقلال العقل نظريا وعمليا محكوم عليها بالفشل وعدم انجاز مهمات التحرر والاستقلال.لان المقدمة غير الصحيحة لا تقود الا للفشل.وبدون استقلال العقل العربي وتحريره من اسر دول اللامعول المظلمة.سنبقى امة ترقص الرقصة البدوية قدّام قاتلها .ويدفنها في الجحور الغبار.

مهندس/ زياد ابو الرجا.  

المصدر: موقع إضاءات الإخباري