كتب الأستاذ حليم خاتون:
وصل المبعوث الأميركي برّاك؛
غادر المبعوث الأميركي برّاك...
في كل مرة يردد برّاك أسطوانة مشروخة حول سلاح المقاومة، يلاقيه بعض كلاب العمالة في الداخل بالردة المشروخة ذاتها...
برّاك يهدد لبنان بوضعه تحت وصاية الجولاني يوما، وتحت الوصاية الإسرائيلية يوما آخر...
ماذا تريد أميركا فعلا...
ماذا يريد برّاك وويتكوف وترامب وغيرهم من المقاولين الذين يتنازعون مع الدولة العميقة في أميركا؛ ولكنهم يتفقون جميعا على بناء شرق أوسط جديد تحت هيمنة إسرائيلية مطلقة...
بين حلم أميركا حيث تكون لهم كل الثروات الموجودة في الشرق الأوسط والتي تحتاج إلى السيطرة الكاملة على سوريا ولبنان، وبين مشروع اسرائيل الكبرى لا يبدو أن هناك تناقض...
من يعرف؟
قد يتوصلون إلى معادلة تقوم على تقاسم هذه الثروات بين أميركا وإسرائيل كما يحصل الآن في منطقة الخليج...
في سوريا، ورغم كل ما فعله الغرب لتحويل الجولاني من فرانكينشتاين إلى أحمد الشرع؛ لا تزال الأوضاع غير واضحة...
الجولاني الذي وجد نفسه فجأة على رأس أهم كيانات بلاد الشام، لا يقدر حتى اليوم على حسم الأمور...
ذهابه إلى الساحل لذبح العلويين، كما ذهابه إلى السويداء لذبح الدروز هو هروب إلى الأمام في مواجهة مشكلة من يسود في سوريا...
ولمن عليه هو أن يقدم ضروب الطاعة؟
اللاعبون الأساسيون في سوريا اليوم أكثر من طرف...
الأميركيون، الإسرائيليون، السعوديون، الإماراتيون، الأتراك، القطريون وغيرهم طبعا...
لم يكن أي من هذه الأطراف يريد الذهاب إلى السويداء، ربما بإستثناء الإسرائيليين...
تماما كما لم يكن أحد يريد من الجولاني الذهاب إلى الساحل لذبح العلويين إلا إردوغان...
الاسرائيليون أرادوا منه الذهاب إلى السويداء لمعرفتهم أنه أعجز من أن يستطيع إخضاع الدروز؛ لكن هذا الأمر يساعد في تفتيت الدولة السورية ويحشر الدروز في موقع المطالبة بالحماية الإسرائيلية أمام جحافل إبن تيمية وإبن عبد الوهاب من الوحوش البشرية...
إردوغان أراد من ذبح العلويين في سوريا أمرين على الأقل:
الأول، تركيز العين الحمراء على العلويين في تركيا الذين ينتمي معظمهم إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي يشكل الخطر الأساسي على سلطة اردوغان وسيطرته على تركيا...
ثانيا، أراد إردوغان تشتيت الأنظار عن العربدة الإسرائيلية على كامل الجغرافيا السورية، بما في ذلك المناطق المحسوبة على تركيا مع عجز تركي كامل عن منع ذلك، رغم الانباء التي تحدثت عن مقتل جنود اتراك حين قصفت إسرائيل القوات التركية التي كانت تحاول بناء قواعد لها في الداخل السوري...
الجولاني ضائع بين طلب تركيا منه التوجه صوب الأكراد ومحاربتهم مع وعود بدعم عسكري كامل، وطلب أميركي سعودي إماراتي بالتوجه صوب الحدود اللبنانية ومهاجمة لبنان من الشرق والشمال لمشاغلة حزب الله وضعضعة دفاعاته أمام اي تقدم اسرائيلي باتجاه نهر الليطاني، وربما حتى الأولي إذا أمكن...
السعوديون الذين مولوا الحرب على لبنان مع شرط وجوب استهداف وقتل السيد نصرالله، يرون أن حزب الله تلقى ضربات رهيبة لكن لم يتم القضاء عليه...
هذا الأمر يقلقهم لأن مجرد بقاء الحزب يعني مزيدا من القوة لليمن وتهديدا مستقبليا لسيطرة آل سعود على الجزيرة العربية...
ثم؛
طالما لم يتم القضاء على حزب الله، فإن إمكانية فقدان سوريا من جديد واردة جدا، خاصة إذا وجدت قوى ديمقراطية سورية قادرة على سحب البساط من تحت أرجل الجولاني الذي يستند أساسا على مجموعات غير سورية من كلاب بندر بن سلطان...
للسعوديين والإماراتيين ثأر عظيم على حزب الله...
هو كان الدعامة الأساسية لأنصار الله الذين هزموا مشروع السيطرة على اليمن...
كما أن حزب الله كان القوة الأساسية التي استطاعت الدفاع عن الدولة السورية حتى سقوطها بسبب خيانة بشار الأسد لمحور المقاومة واعتماده على الروس عسكريا، وتصديقه لوعود الخليج ماليا ما أدى به إلى أن باعه الطرفان بابخس الأثمان...
الروس باعوه لقاء وعد لم يتحقق في أوكرانيا حيث لم يستطع ترامب تجاوز الدولة العميقة تحت تهديد فضائح إبستين...
والإماراتيون والسعوديون باعوه بالتناغم مع الأميركيين في سبيل إسقاط محور المقاومة الذي كانت دمشق تشكل مركزا أساسيا من مراكزه؛ وهذا ما كان يمنع تمدد الاتفاقات الإبراهيمية وتصفية القضية الفلسطينية مرة واحدة والى الأبد...
هؤلاء معتادون على حياة العبيد...
من كان دائما عبدا للأميركيين، يستطيع أن يكون الشيء ذاته عند الإسرائيليين...
وسط كل هذه المعمعة، يعيش اللبنانيون هاجس الحرب؛
هل تقع الحرب ام لا؟
نظرة واقعية للأمور تقول أن إسرائيل مستفيدة الآن بشكل مطلق من الوضع القائم...
هي تقتل يوميا مقاتلا أو أكثر من حزب الله؛
هي تقتل أحيانا كثيرة مدنيين لبنانيين دون اية ردة فعل لا من المقاومة، وطبعا ليس من طرف السلطة اللبنانية القائمة والتابعة بشكل مطلق لأميركا ومحور الخليج التابع بدوره للهيمنة الأميركية...
إسرائيل تدمر بين الحين والآخر بيتا أو أكثر؛ وتدمر بناء أو أكثر دون أي رد من لبنان؛ لا من المقاومة، ولا من السلطة التي لم تعد حتى تُصدر بيانات شجب واستنكار في انبطاح كامل للهيمنة الأميركية سوف يؤدي حتما إلى نفس مصير أمين الجميل وشفيق الوزان وكامل الأسعد بعد انتفاضة السادس من شباط ٨٣...
هل تجازف إسرائيل بكل هذه المكتسبات وتشن حربا أوسع تُجبر حزب الله على الخروج من تحت الارض فقط لإرضاء السعودية والإمارات؟
إسرائيل تعرف جيدا أن الجولاني أضعف من أن يستطيع التقدم مترا واحدا داخل الأراضي اللبنانية بدون غطائها الجوي وقصف دفاعات العشائر اللبنانية...
لكن هل سوف يمنع هذا الأمر حزب الله من إطلاق عشرات المسيرات من كل مكان، وفي كل الاتجاهات؛ وربما حتى إطلاق الصواريخ على تل أبيب حتى لو أدى هذا إلى العودة إلى الحرب الشاملة وقصف بيروت وكل لبنان...
الفرق هذه المرة أن حزب الله سوف يواجه تهديدا وجوديا ولن يجامل احدا على الإطلاق وسوف يقصف تل أبيب مهما كان الثمن وهو قادر فعلا على إحداث أضرار لا تقل عما أحدثته إيران خلال الحرب الأخيرة...
هل تعلم حزب الله الدرس جيدا؛
هذه المرة عليه أن لا يتردد...
إسرائيل تعلم ذلك جيدا لذلك هي لن تُقْدِم على أي فعل إلا في حالة واحدة:
بعد تجريد حزب الله من السلاح...
لذلك نرى برّاك يحور ويدور ولا يكف عن الحديث عن وجوب نزع سلاح حزب الله...
تريد أميركا أن تأخذ في السلم، ما عجزت عن أخذه في الحرب...
لذلك نرى وزير خارجية السعودية يزيد بن فرحان يقوم بتحريض السُنّة والمسيحيين والدروز ضد حزب الله والسلاح ويتكامل أكثر مع الأميركي في تشديد الحصار الاقتصادي والمالي على لبنان...
ولأن كل هذا لم ينفع؛ لجأ الأميركيون إلى حيلة جديدة تقوم على تقديم المغريات إلى الطائفة الشيعية في تسليمهم مراكز في السلطة أكثر بكثير من مجرد قضية التوقيع الثالث عبر وزير المالية...
هل ينجح الأميركيون في هذا؟...
من يتابع بعض التحاليل التي يخرج بها بعض الكتاب من المقربين إلى حركة أمل وحزب الله، يلاحظ أن هناك غباء عند اليمين الشيعي الموجود داخل حركة أمل وحتى داخل حزب ألله...
هناك من "شط ريقه" أمام المغريات التي يقدمها الأميركي حتى وصل الأمر في اغنية جديدة مشروخة تشبه أحلام اليقظة عند الطرف "الإصلاحي" في النظام الإيراني حول فتح كل الأبواب وتشريعها أمام الاستثمارات الأميركية في كل القطاعات رغم معرفة هؤلاء أن الأميركي لا يستثمر في اي بلد؛ هو يتبع سياسة "من دهنه قلّيلو" القائمة على سرقة ونهب الثروات حصرا وترك بعض الفتات كما يحصل في بلدان الخليج التي يُنظّر شيوخها لمعادلة تقوم على:
دفع الزكاة للظالمين إتقاء من شرهم"...
هذا ما يثبت الإشاعات التي تحدثت عن جهات يمينية داخل بيئة المقاومة تشكل خطرا حقيقيا عليها وعلى السلاح...
ربما علينا شكر الجولاني لأن هذا اليمين لم يعد يجرؤ على الكلام في تسليم السلاح بسبب الرفض الجماهيري العارم ليس فقط عند الشيعة، بل حتى في الطوائف الأخرى حيث أثبتت دراسة صادرة عن إحدى اهم مؤسسات الدراسات والإحصاء أن أكثر من سبعين في المئة من الشعب اللبناني يرفض البحث في تسليم سلاح المقاومة قبل قيام سلطة وطنية حقيقية، وتسليح الجيش الوطني وتمكينه من القدرة على الدفاع عن لبنان...
بل لم تتعد نسبة المطالبين بسحب سلاح المقاومة ال ١٢% هم على الأغلب عملاء إسرائيل من الذين قاتلوا معها وساندوها في اجتياح سنة ٨٢ الذي تجاوز بيروت وخرجت صحيفة l'humanite الفرنسية مع صورة لجندي إسرائيلي يجلس على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا ويمد رجله ويضع البوط العسكري الإسرائيلي على مكتب الرئاسة...
هذا اليمين الشيعي المتواجد في إيران يجد له أصداء في بيروت تعلق أمالا على إيجاد مكان تحت الشمس الأميركية بحجة أن ما يجمع أميركا مع إسرائيل هو فقط مصالح وأرباح، وأن الأميركي لا يرتبط باسرائيل عضويا...
لهذا، وحتى اليوم، لم يستطع أي كان تبرير موافقة إيران على وقف إطلاق النار رغم ان الدفاعات الإسرائيلية كانت وصلت إلى أدنى مستوياتهم وإكمال الحرب كان كفيلا بتدمير أكبر لإسرائيل واجبارها على شروط في غزة ولبنان...
يذكرنا هؤلاء بقصة الراعي الروسي الذي أراد استبدال بندقيته بساعة ذهبية عرضها عليه قطّاع الطرق فقال له أبوه:
قد تكون المبادلة بحد ذاتها مربحة جدا...
لكن ماذا سوف تفعل وكيف سوف تدافع عن المزرعة حين يأتي هؤلاء اللصوص لاغتصاب أمك واخواتك؟