من كربلاء إلى «سيف القدس» الحسين الأبدي واليزيدية المعاصرة\ عبدالرحمن أبوسنينة.
مقالات
من كربلاء إلى «سيف القدس» الحسين الأبدي واليزيدية المعاصرة\ عبدالرحمن أبوسنينة.
14 أيار 2022 , 10:41 ص


سعيت في شهر رمضان الذي غادرنا أن أخصص جزءاً من الوقت في أيامه المباركة، مطالعاً السيرة التحليلية للنهضة الحسينية، وواقعة كربلاء الأليمة عام 61 هـ، في محاولة لمقاربة ذلك الحدث المفصلي، مع الكربلاءات المعاصرة، وخاصة كربلاء الفلسطينية، التي امتازت مع ذلك بانتفاضات شعبنا، ومقاومته المظلومة، ونضاله الدؤوب، وآخر عطاءاته منذ أيام مع محاولات اجتياح مخيم جنين، دم الإعلامية العنيدة بوجهها المتعب، وحزنها الكربلائي السرمدي، الزميلة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وقد كنت أحد طلبتها ضمن ورشة المراسل الصحافي في العاصمة الأردنية قبل أكثر من عقد.

أعتقد بالفعل أن تشابهاً ناشئاً بين واقعنا الحالي وبين ذاك الواقع الذي عاش فيه الحسين بن علي، فإن كانت نداءاته واستغاثاته في هجير العراق إحياء للإسلام، وتضحية واعية لوضع حد لاستهتار طغاة عصره، فإن الفعل المقاوم الفلسطيني المذهل الذي تابعناه خلال شهر رمضان بدون مبالغة كان إحياءً للمسلمين المبتلين بمرض ضعف الإرادة على امتداد العالم. كما شاهدنا التضامن والتأييد للحق الفلسطيني يتسعان بقوة، ومن خارج الدائرة الإسلامية، بل من بعض من كان يُصنف كصديق لإسرائيل.

يوم القدس وساطور «المزيرعة المهجّرة»

«يوم القدس العالمي» كان مميزاً هذا العام، والذي أراده الراحل مفجّر الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني إحياءً سنوياً لمظلومية القدس والشعب الفلسطيني على طريقة الإحياء الحسيني، كي لا تنسى الأمة المطالبة بحقها واسترداد ما اغتُصب منها، وشاهدنا في آخر جمعة من رمضان حشود ملايين الأحرار الذين لبّوا نداء القدس عبر المسيرات والتظاهرات التي جابت دول العالم، بينما ضاعفت المقاومة فيه عملياتها وفعالياتها وصولاً إلى عملية «أرئيل» البطولية التي قُتل فيها جندي إسرائيلي وجُرح آخر، وأرادها منفذاها البطلان هدية الشعب الفلسطيني لكل الأحرار في يوم القدس، وصولاً إلى خميس «ساطور العاد - المزيرعة الفلسطينية المهجّرة) المتضامن مع صرخات المقدسيين والمرابطين التي أنجبت معركة «سيف القدس» في العام الماضي ونعيش ذكراها الأولى هذه الأيام، حيث لبّت المقاومة في غزة واعية الأقصى والعابدين فيه. فـ«سيف القدس»، وهذه العمليات الفدائية الكربلائية في فلسطين، رسّخت قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال، يزيد العصر، وأحيت وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد.

وكما خلّد الحسين وأحيا بدمه ودم عياله كامن الشعور في الأمة المريضة إرادتها حينذاك، كذلك فإن «سيف القدس» سيبقى مشرعاً ولن يُغمد، وستحيي دماء الشهداء في فلسطين الأمة وتعيدها إلى صوابها وبوصلة صراعها الحقيقية، وستبقى المعادلات التي فرضتها المقاومة ثابتة وحاضرة. فالقدس والأقصى خط أحمر دونهما مهج وأرواح أحرار الأمة في كل مكان، على خطى الحسين الشهيد الذي جدّد قيم إسلام جده محمد صاحب المسرى في القدس الشريف.

ما أشبه الليلة بالبارحة

وإذا أردنا أن نكتسب درساً من عاشوراء، ونتأمل كيف أقدم الناس على مثل هذا التعامل الوحشي مع الحسين، وهو الحفيد نفسه الذي شاهدوه مراراً في حضن النبي محمد وكان يكرر التوصية برعاية ريحانته من الدنيا، فكذا في الوقت الراهن نرى اليزيديين المعاصرين، يخططون ويعملون على الدوام لتصفية القضية، ودفع المجتمع الإسلامي عموماً نحو الاستسلام والتسليم بوجود الصهاينة، مستفيدين من الإمكانات الإعلامية لأنظمة القبائل الحاكمة المتصهينة المسلّطة علينا، وبالترغيب مرة، وبالتهديد والترهيب مرات.

على الشباب الفلسطيني المقاوم أن يدرك أن من يريد القضاء على مقاومته، هم بالإضافة إلى كيان الاحتلال ودول الاستكبار من خلفه، هذه الأنظمة الرسمية المتماهية مع مصالح المحتل، ومنهم سلطة التنسيق الأمني مع الصهاينة، يقومون بنفس الدور الذي قام به المنافقون مع الحسين في سالف الزمان. ففي الماضي لم تكن حاجة كي يأتي الروم أو الفرس لتدمير الإسلام الأصيل، بل أبناء عم الحسين - رضي الله عنه - نهضوا بالمهمة، فبنو هاشم وبنو أمية يرجعون إلى القبيلة الأكبر قريش.

وفي هذا العصر، وعلى مستوى مجتمعنا الفلسطيني، تأتي الحقوق المنقوصة عبر كيان العدو لسلطة محمود عباس، ولبعض الجهات «المدنية» التي في الحقيقة تعادي المقاومة وقيم المجتمع، وتسعى، بعلم أو غير علم، لخدمة مشاريع الاحتلال، كما هو دور بعض «المنظمات الأهلية»؛ ميزانيات مالية من الأميركيين والأوربيين المؤيدين لإسرائيل، يدفعونها لورشات عمل، ولموظفين مهمتهم الجلوس خلف الحاسوب وكتابة التقارير، وفي النهاية تقوم الدول صاحبة المال الحرام بتسجيل فاتورة قيمتها بالملايين تحت مسمى مساعدات للشعب الفلسطيني! دكاكين للدول الأجنبية ناهبة الشعوب لتمرير أجندات خفية، يبدأون بموضوعات تحت عناوين، في ظاهرها تدعو إلى «التمكين والديموقراطية»، وفي باطنها نتاج خطط اجتماعات الحرب الناعمة علينا في الغرف السوداء، لتدجين الشعب بثقافة الاستسلام للعدو وتقبّله. دعمهم هو من أموالنا المنهوبة المعاد تدويرها على شكل منح وهبات من الأميركيين والأوربيين، وربما من الصهاينة، فجبهة الاستكبار لا تدفع من دون أن تكسب لصالح مخططاتها المريبة. ونسأل هنا: ما هي الخدمات التي يقدمها، بقصد أو بدون قصد، من أتخموا بهذا المال الحرام؟ وقد أخبرني بعض أهل المقاومة في غزة أن كثيراً من هذه الجهات المموّلة مرتبطة بشكل وثيق بأجهزة استخبارات أجنبية على رأسها «سي آي إيه»‏، وصولاً إلى «الموساد» الصهيوني. وليس علينا أن نستغرب إن تكاثر العملاء الكاملون لـ«الموساد» الصهيوني، ولقد شاهدنا في بعض الأحيان حين لا يضطر الاحتلال إلى التدخل مباشرة لتصفية أهل المقاومة، بل يستخدم عملاءه، كما حصل مع الشهيد نزار بنات، الفلسطيني المقاوم المشتبك دائماً مع الاحتلال وأدواته. هذا في الداخل الفلسطيني، ناهيك عن تسهيلات الحكومات العميلة في دول التطبيع والتتبيع، وهي تنفذ الأدوار المشبوهة في تشويه الحقائق وطعن المقاومة في الظهر، والسعي في تشويه جبهة المقاومة أو إثارة الفتن الطائفية، وتسهيل مهمة الصهاينة للقضاء على المقاومة ومحور المقاومة؟ هذا المحور الحق الذي هو مخيم الحسين المعاصر، ولو غفل بعضنا وتهاون أو أخفض رأسه لخطط العدو وتنكّر لجبهة المقاومة، فالنتيجة أننا نذبح الحسين من جديد، وكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء كما هي سنن التاريخ فعلاً. وهنا نستذكر كلمات الشاعر والأديب والمؤلف المسرحي المصري عبد الرحمن الشرقاوي - رحمه الله - عندما قال في مسرحية «ثأر الله» على لسان أبي عبد الله الحسين:

«... فإذا سكتّم بعد ذاك على الخديعةِ وارتضى الإنسانُ ذلَّهْ.. فأنا سأُذبحُ منْ جديدْ.. وأظلُّ أُقتلُ منْ جديدْ.. وأظلُّ أُقتلُ ألف قتلةْ.. سأظلُّ أُقتلُ كلما سكتَ الغيورُ... سأظل أُقتلُ كلما رغِمتْ أنوفٌ في المذلَّةْ... ويظل يحكمكم يزيد... ويفعل ما يريد... ويظل يلعنكم وإن طال المدى جرح الشهيد».

المقاومون المعاصرون تفوّقوا في التضحية

لكن، رغم كل ذلك، هناك ما يبشر بالخير، وكما وُجدت تلك النماذج المحدودة في كربلاء ممن قال للحسين في ليلة عاشوراء: «والله لو علمت أني أُقتَل ثم أُحيَا ثم أُحرَق ثم أُذرَى يفعل بي ذلك سبعين مرة ما تركتك»، فهي بيننا حاضرة بين صفوف أهل المقاومة ضد الغدة السرطانية الصهيونية. وإذا كنا نستذكر من سيرة الرجال حول جد الحسين الرسول محمد قصة حنظلة الغسيل، الذي تزوج وفي اليوم الذي أعقب ليلة زفافه شارك في غزوة 

أحد، واستُشهد، فإننا نملك الآلاف من أمثال حنظلة؛ حاضرين في ساحات المقاومة في لبنان وفلسطين وساحات أخرى، وعندنا نماذج كثيرة من سير هؤلاء الشهداء، ويكفي أن ندقق النظر في شهداء عمليات رمضان أخيراً داخل فلسطين، هؤلاء الشباب الذين لبسوا القلوب على الدروع، ولم يبالوا أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم، وهناك من حكايات شهدائنا ما يحير الألباب، الذين عاشوا شهداء بكل معنى الكلمة وهم أحياء على حدّ تعبير سيد شهداء محور المقاومة الحاج قاسم سليماني رحمه الله.

كاتب فلسطيني

[email protected]

المصدر: موقع إضاءات الإخباري